في زوايا القلب المعتمة، حيث تختبئ الحقائق خلف ستائر العاطفة، يولد وهم الإدراك، الحب يكسو الأشياء ببريقٍ لا تملكه، والكراهية تنثر عليها ظلالًا لا تنتمي إليها..
هناك، بين الضوء والظلام، تتراقص الحقيقة كطيفٍ بعيد، لا يُرى إلا بعينٍ خالية من الهوى، فهل نملك الجرأة لنراها كما هي، أم نظل أسرى لما نحب ونكره؟
قد تؤثر العاطفة على رؤيتنا للأشياء وتجعلنا نحكم عليها بناءً على مشاعرنا، لا على حقيقتها المجردة.
قد يعمي الحب الزائد الوالدين عن رؤية أخطاء أبنائهم، فيبررون لهم كل تصرف، حتى لو كان خاطئًا، وعلى العكس، قد يشعر والدٌ آخر بخيبة أمل تجاه ابنه بسبب توقعاته العالية، فلا يرى محاولاته الصادقة للتطور، وقد تؤدي الغيرة أو التفضيل إلى تشويه الصورة؛ فإذا كان أحد الوالدين يفضل أخًا على آخر، فقد يرى المظلوم أخاه دائمًا كعدو، حتى لو لم يكن كذلك، بينما يبرر المحبوب كل أفعاله مهما كانت خاطئة.
في بيئة العمل، قد يتأثر الحكم على الزملاء بالعلاقات الشخصية؛ فمن يحب زميله قد يراه مجتهدًا حتى لو كان مقصرًا، بينما من يكرهه قد يقلل من نجاحاته أو ينسبها إلى الحظ بدلاً من جهده.
الانطباعات الأولى قد تكون خادعة؛ فقد ننجذب إلى شخص بسبب أسلوبه اللبق ونعتقد أنه صادق، بينما قد يكون العكس صحيحًا، وقد ننفر من شخص لمجرد مظهره أو طريقته في الحديث، رغم أنه قد يكون أنقى قلبًا وأصدق نية.
الحب قد يجعلنا نغفل عن العيوب، والكراهية قد تجعلنا نتجاهل المحاسن، الموضوعية صعبة، لكنها ضرورية لرؤية الأمور بوضوح.
في الحب، تصبح الرؤية أكثر تشويشًا، كأن القلب يضع غمامة على العيون، فلا نرى من نحب كما هو، بل كما نريده أن يكون، يتجاهل عيوبه أو يجد لها تبريرات جميلة، حتى لو كانت واضحة للآخرين.
عند الخذلان، تتغير الصورة فجأة؛ ما كان جميلًا يصبح مزعجًا، وما كان مثاليًا يصبح عيبًا لا يُغتفر.
الشخص نفسه لم يتغير، لكن المشاعر التي تحيط به هي التي انقلبت.
قد يتحمل أحد الطرفين الإساءة أو الخيانة، رافضًا تصديق الحقيقة، لأنه أسير لحب زائف، أو قد يضع توقعات خيالية، وحين يصطدم بالواقع، يشعر بالخيانة، رغم أن المشكلة كانت في نظرته المثالية.
الحب يجعلنا نرى من نحب كلوحة فنية نرسمها بأنفسنا، لكن الحقيقة دائمًا تكمن في التفاصيل التي نتجاهلها.
في النهاية، المشاعر تلون رؤيتنا، وما لم نحاول أن نرى بعيون العقل والعدل، فقد نظلم الآخرين أو نخدع أنفسنا.
وكما قال الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه:
“في اللحظة التي تحب فيها شيئًا أو تكرهه، لن تتمكن من رؤيته على حقيقته.”
بقلم/ حصة الزهراني
ماجستير في العلاقات العامة والاتصال المؤسسي - وزارة التعليم
التعليقات 1
1 pings
خديجة الغبيني
25/03/2025 في 12:42 م[3] رابط التعليق
تسلم يدك .. مبدعة دائما