هل من المعقول أن مجلس التعاون الخليجي وهو الكيان التاريخي المسؤول وذو التجارب الهائلة، ومع ذلك لم يرى بحنكته المعهودة دولة جيبوتي العربية كما يراها على الأقل الصينيون أو الفرنسيون أو اليابانيون أو الأمريكان، وقد اصبح عددهم بعشرات الآلاف هناك؟، أو كما يراها مضيق باب المندب نفسه الذي تتحكم به ويتحكم بها مناصفة مع دولة اليمن وهي ضمن الجزيرة العربية، أو كما يراها الجار العملاق الخلفي بمائة مليون اثيوبي حيث تشكل جيبوتي بمليونها السكاني رئتهم البحرية الوحيدة للتواصل مع دول العالم.
إن الأيام القادمة تحمل في طياتها متغيرات كبيرة ومخيفة بالقرن الإفريقي، وربما لم ينال ذلك الأمر إهتمام البعض من التنفيذيين في مؤسسات دول مجلس التعاون الخليجي، وحقاً انه لمحزن ان نتفاجأ يوماً بتلك المتغيرات، وحينها لا ينفع الندم!. ألا يجب التفكير في أن ايران ستعود علاقاتها يوماً ما بشكل طبيعي مع جميع دول المنطقة، وسيكون لها علاقات ومصالح مشتركة مع الجميع بمن فيهم جيبوتي ومع القوى والقوات غير العربية المتواجدة على اراضيها، وليس من حق أي احد حينئذ منع ذلك التعاون، وماذا سيكون الموقف وما هو العذر وقد فات القطار حينها واصبحت ايران وتركيا واسرائيل ضمن اللاعبين!، هل نسي هؤلاء أن استراتيجية ايران ثابتة لم ولن تتغير نحو بسط نفوذها بالقرب من كل المضائق التي تخنق العرب حتى في ظل افضل العلاقات معهم. ألا يتذكر هؤلاء أن الظروف والسياسات متحولة حتى بالنسبة لدولة كجيبوتي تبعاً للمتغيرات والمصالح والضغوط وهي الدولة التي ليس بإمكانها مواجهة ضغوطات قوى عالمية كبرى تتواجد قواتها ومشاريعها على اراضيها؟.
إن على مجلس التعاون الخليجي ووزارات الخارجية والاستخبارات بدوله تَوقُع أن تصبح جيبوتي العربية مستقبلاً غير قادرة على البقاء ضمن الفلك العربي (الخليجي) الحالي وعدم استطاعتها تلبية متطلبات الأمن القومي العربي بحكم الأمر الواقع المحتمل القادم، ولا غرابة ان يحدث ذلك، فالجميع يتابع الآن دول العالم الكبرى وهي تهرول وتتنافس على التواجد بكل الأشكال في موقع استراتيجي هام وحاكم (جيبوتي) والعمل جارٍ على قدم وساق لتشييد قواعد ومعسكرات وضواحي إمدادية وعسكرية وتدريبية واقتصادية صناعية، حتى اصبحت قائمة فعلياً، في ظل غياب كامل لأي تواجد فاعل لدول مجلس التعاون الخليجي على ارض جيبوتي. ومهما قيل أن هناك قاعدة سعودية، فهي غير موجودة. هذا مُقلق جداَ ومُحير ومُزعج. وهل سنحمل جيبوتي مستقبلاً مسؤولية غيابنا؟.
إن على مجلس التعاون الخليجي انطلاقاً من مسؤولياتة القومية الكبرى وبناء على تأثيره الإقليمي وحظوره الدولي، أن يعي جيداً أن من يتغيب عن التواجد مع غيره هناك فلن يكون له الدور المؤثر على الأمن الداخلي السياسي والاقليمي وعلى مضيق باب المندب وحجم تأثيره على أمن الجزيرة العربية كاملة وعلى البحر الأحمر، والأهم من ذلك فقدان التأثير القوي المباشر على سياسات وعلاقات جيبوتي واثيوبيا البينية والخارجية في القارتين الافريقية والاسيوية، وكل ذلك من خلال جيبوتي!. وهل الدول المتواجدة هناك حالياً، والآخرين الطامحين المحتملين (طهران-انقره-تل ابيب) كل هؤلاء لا يفهمون ورؤيتهم غبية وعبثية؟. وطبيعي جداً أن تقول وزارة الخارجية الجيبوتية المحترمة ليس هناك أي تعاون او حتى نية للتعاون مع الدول الثلاث، لكن ماذا بعد ذلك مستقبلاً حينما تختلط الاوراق، وتتغير احوال اثيوبيا وارتيريا وتصلها مخالب ايران واسرائيل وشركات تركيا المشروطة؟. ألم تصلها بعد؟. لماذا نغلق اعيننا.
ولماذا نتجاهل أنه من خلال جيبوتي نستطيع كسب مواقف اثيوبيا ودعمها لمواقفنا والى جانب قضايانا المختلفة، وكسب دعم الشعوب الإثيوبية لنا، ليس هذا فحسب بل التأثير في عمق افريقيا من خلال الأمانة العامة ولجنة الاتحاد الإفريقي التي تتخذ من اديس ابابا مقراً لها على مرمى حجر من جيبوتي. حتماً ستكون اثيوبيا مع مصالحها بالتنسيق والتوافق مع المتواجدين على ارض جارتها جيبوتي المطلة على ضفة مضيق باب المندب الغربية، وليس مع من يدعم اقتصادياً من خلف البحر ويعتقد أنه بعيد، ويظن أن ايران وتركيا واسرائيل وغيرهم نائمين.
على المفكرين والمستشارين والمختصين والأمنيين والعسكريين بأمانة مجلس التعاون أن يغيروا طريقة تعاطيهم مع الأحداث، وأن يتفاعلوا سريعاً مع كل ما يجري في القرن الإفريقي، وعليهم استلهام ولو موقف واحد من استراتيجيات الأمير محمد بن سلمان الشجاعة والحاسمة والسريعة. وعليهم بالأمانة العامة وبعض الجهات قراءة استقالة رئيس وزراء اثيوبيا (هايلي مريم ديسالين) بكل ابعادها ومعانيها وتأثيرها وهي الأولى في تاريخ تلك البلاد!. عليهم بكل شجاعة واصرار واستمرار تكرار التنبيه لمتخذي القرارات وصُناعها بدول المجلس أن جيبوتي العربية ترحب بهم وبجيوشهم وبتواجدهم وبتأثيرهم العربي الثقافي والشرعي على اراضيها مع جحافل الآخرين الذين سبقوهم هناك.
إنه لخطأ جسيم في زمن تحولاته تسبق التفكير نفسه ويظل الإعتقاد السائد أن الدعم الإقتصادي لجيبوتي هو الإستراتيجية السياسية الناجعة والكافية، وترك التواجد بالرجال على الأرض، والتنازل عن النواحي الأمنية والعسكرية والتدريبية والثقافية للدول الأجنبية لمتواجدة هناك.. هذا غير معقول، وغير عملي، بل وغير عقلاني، فجيبوتي ليست ارتيريا ولا الصومال بل هي جزء اصيل من الجزيرة العربية بموقعها الجغرافي الخطير وبمسؤوليتها الإستراتيجية والقومية الشجاعة نحو المضيق ونحو تضامنها القوي الدائم المبدئي مع السعودية ومنظومة مجلس التعاون الخليجي.
بكل صدق وإخلاص ومسؤولية يجب القول إن جيبوتي مكانها الطبيعي هو مجلس التعاون الخليجي بأي صفة كانت، وهي تستحق ذلك. كما يجب القول وبصوت مسموع ان على مجلس التعاون الخليجي (الرياض) تدريب وتعريب جيش جيبوتي بنفس عقيدة القوات المسلحة السعودية، ويجب سريعاً قيام قاعدة عسكرية بشكل ما بجيبوتي قبل فوات الآوان، والأشقاء يرحبون بذلك. وأزيد،ان هناك الاف من الرجال المتدربين والمتحمسين لخدمة الوطن ودولة جيبوتي، إنهم ألاف المتقاعدين القادرين من العسكريين والأمنيين والقياديين السعوديين والخليجيين الأقوياء المؤهلين بالخبرات العالية، والمتعلمين بأرقى معاهد وكليات ومدارس العالم. إنهم جاهزين لتلبية النداء حتى بأقل تكلفة أو بلا مقابل….. العالم يطبق ذلك فلماذا نتجاهله؟!!. التأخر سيجعلنا نأتي في الوقت الخطأ ثم نخسر مضاعفاً وربما لن نجد موقع.
التعليقات 2
2 pings
محمد الجـــــــابري
14/03/2018 في 8:45 ص[3] رابط التعليق
مراكز الابحاث الخليجية والجامعات ومجالس الشورى والنواب في دول الخليج العربي معنيون بوضع تصوراتهم ومقترحاتهم امام صنّاع القرار “وما لايدرك الان … قد لايتحقق مستقبلا” واستطرادك ابا منصور بوصلة عملية..تحياتي
محمد الاحمري
14/03/2018 في 9:10 م[3] رابط التعليق
مجلس التعاون الخليجي نفسه لم يثمر وقد قارب على ٤٠ سنة من تأسيسه.
دول مجلس التعاون لها ثقلها الإقتصادي وهو المؤثر ، ومع ذلك لم نرى توحيدا للجهود.
الأمور السياسية متفرقة وكل له أهدافه ومصالحه الخآصة.
لو أن أمانة المجلس لها رؤية موحدة واهداف الدول الخليجية القومية متوافقة ، لرأينا لدول الخليج شأن آخر.