برغم انشغالي في مراجعة مسودة بعض الحروف الأثيرة عندي تمكنت من زيارة معرض الرياض للكتاب الذي ودعناه قبل أيام مرتين من منطلق مسايرة الواقع وقراءة المستقبل الثقافي من خلال الحصول على بعض الكتب التي قد تساهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في زيادة وعيي واقتناء الجيد منها ، وذات القيمة التي لا يعرفها ا لجهّا ل من الأعراب في المجال الديني ، والثقافي ولكن ليست من أجل معرفة تحريم الطبول والمزامير والنحاسيات والتنك من عدمها ، والتي كان لها دور كبير في رفع مستوى وعي البعض في الميادين ؛ لمعرفة المراد منهم في حياتهم العملية ولكنها كتب ذات قيمة للعقل وزيادة وعيه ومعرفته وتكشف زيف و ادعاءات ما قاله جلال الدين بن الرومي وشوه به الدين الإسلامي الحنيف ، إلى جانب اقتناء بعض الكتب التي لا نحصل عليها ا لا من خلال المعارض عادة .
في المعرض رأيت صورا صحفية تستحق ا لإشارة و الإشادة ، ولكن أين هم الصحافيين النابهين في الصحافة والتلفزة التي أصبحت قشورا تبحث عن المظاهر الزائفة ، والعورات الإنسانية والخصوصيات الشخصية لتكشفها للناس ، والصحافيين أصبحوا يهتمون بأشكالهم على حساب مهامهم كأنهم أشجار الزينة ، وما أبدعوا إلا في المسميات الجديدة لهم ونسوا مهمتهم الأساسية وهي التثقيف وتقديم المعلومة الجديدة والزاهية والمثالية التي تمس حياة الإنسان المتلقي وتناقش همومه اليومية بعيد عن ا لبهرجه والتزييف.
في المعرض انهمكت في الزيارة الأولى بحثا عن أماكن العرض المقصودة والكتب المطلوبة من خلال أجهزة البحث ، التقنية التي تحدد موقع كل عارض ومعروض ، وفي الزيارة الثانية تفرّغت بعض الشيء ؛ لرؤية أشمل وقراءة الوجوه والسلوكيات والتصرفات البشرية مع الكتاب وفي ساحته ، فوجدت عدد من الصور الصحفية الثمينة التي غابت عن أعين الأدعياء من الصحافيين ، ومن يسمون بالإعلاميين وأختصرها في الآتي بالرغم من كثرتها وندرتها :
ـــ رجل مقعد يدفعه سائقه بالعربية من ركن لآخر ؛ لاقتناء زاد العقل الكتاب عملا بـ اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد ، رأيته وقد اقتنى من الكتب ما يستحق التقدير لوعيه الكبير ، و كما هو شعار المعرض (الكتاب .. ذاكرة لا تشيخ ) فلم تمنعه شيخوخته من شراء الكتب .
ـــ رجل آخر في نفس السن لكنه يمشي الهوينا على ثلاث ، ولم يمنعه الكبر و الإعياء من أن يزور المعرض ويشتري ما يريد و ما يزيد من رصيده المعرفي العقلي في ظل تزايد الجهل والجهّال من حوله في المجتمع .
ـــ شدني وجود رجال وبنات وشباب يتفحصون الكتب ويناقشون العارضين بوعي ــ مما يجعلنا نحلم وهو من حقنا أن نحلم ــ بالقضاء على الجهل و ا لجهّا ل وحمية الجاهلية .
ـــ ومن الصور المبهرة أيضا هو كثافة و حجم الزائرات من بنات الوطن مقارنة بالرجال واللاتي يشعرن بعظم دورهن المستقبلي ومقدار مسؤوليتهن تجاه الوطن وبنائه وأبنائه و تنافسهن على شراء الكتب التي تساعدهن على العطاء والإبداع في دراستهن وحياتهن ووعيهن المجتمعي من أجل الوطن الذي هو في حاجة لمتعلم واحد أو متعلمة واحدة خير من ألف جاهل ودعيّ .
ـــ مجموعة من الشباب والأطفال يجوبون المعرض مع أهلهم وقد حملوا من أسباب النجاح ما يبحثو ن عنه من الكتب التي ستجعل منهم غد بإذن الله رجال دولة وأصحاب فكر وقادة رأي ونحن نغذي أبنائنا يوميا بكل أسف بأسباب ومسببات التخلف والرجولة الجاهلة والملفت الأجمل هو تأبط أولئك الشباب إلى جانب تلك الكتب لعدد من وسائل القراءة الحديثة ، وهذا هو الاستثمار الحقيقي للإنسان وليس شحنه بحمية الجاهلية الاولى .
ـــ شاب وطفل يبدوا إنهما قريبان لبعضهما يتبادلان الأراء والقيمة النقدية لشراء الكتب المطلوبة .
ـــ حاولت أن أرى أحد من الجهال أدعياء المرجلة والحمية الغبية في المخيمات وفي الشاشات التجهيلية ورعاة الشاة و النوق والذين يحرمون كل شيء ، فلم أراهم وهذا يعني أنهم غائصون في وحل الجهالة والحمية الجاهلية وهم ضد الارتقاء بالعقل وزيادة أسباب وعيه .
ـــ في صورة متخيلة سألت ذاتي كيف لو أن كل كبير قوم ــ وعلى طريقة مدراء المدارس والطلاب في زيارات معارض الكتب ــ أخذوا مجموعة من أتباعهم الجهّال أهل الحمية للمعرض للزيارة وتعويدهم وتشجيعهم على شراء الكتب ، تخيلوا الطابور من الجهال وتخيلوا لغة التخاطب وكبيرهم يوجههم صف يا جاهل ، خلك في السرى يا جاهل ، لا تعبث بالكتب يا جاهل ، وقف يا جاهل . أمسك صليك يا جاهل . وفي النهاية يقول لهم خذ هديتك يا رفيقي الجاهل وأذهب لبيتك يا جاهل . جهل في جهل و يا قلب لا تحزن !!!!!
ـــ بعد تلك الزيارتين دعوت الله أن يسوّد شاشات القنوات الشعبية التي زادت من حجم جهلنا وحميتنا ومراجلنا الكذابة.
ـــ وبعد تلك الزيارتين أيضا أدركت إننا في حاجة لخطط خمسية جديدة أخرى لنخلق وعيا عاما لدى الناس وأن نتخلى عن مساحة الجهل العقلي الكبيرة من أجل زيادة حيز الوعي العام وتبيان أهمية الانسان الواعي للمجتمع وللوطن بعد أن فشلت المدرسة والمدرسين في خلق وعي مستنير للطلاب إلا فيما ندر .
ـــ في صورة سلبية سابقة قبل المعرض بأسبوعبن شاهدت حفلة جاهلية عبر شاشات التجهيل الشعبي . تلك الحفلة حضرها خمسة من حملة الشهادات العالمية والذين يسمون دكتور وكان أحدهم من قدامى الأصدقاء وقد حصل على شهادته العالمية بعد تقاعده ولا أدري لماذا بعد التقاعد وما الفائدة ،وخلال الحفل كان الشعّار والمتحدّثين يغرفون من بحار و تراب الجهل والغباء ما يخجل ومن مخارج الحروف العوجا ونطق اللغة الركيكة والصور المقيتة من يمين الطلاق والنكوص فيه ، وكلهم إساءات للكاميرات التي جرى اختراعها لتسجل المشاهد الجميلة والتوثيقية واللحظات السعيدة والثمينة في حياة الإنسان ولكن .وفي كل مرة تمر الكاميرا على أولئك المتدكترين تراهم يصفقون بغباء منقطع النظير ؛ لجهل حفلتهم وجهلهم ومن حضرها .وأدركت أننا قد نحتاج لمائة عام حتى نتحرر من الجهل وحمية الجاهلية .
ـــ هذه الصور ومعها صور أهل الحمية والجاهلية وشخصيات أخرى قارنتها مع صورة ذلك الجاهل الذي يتدحرج بخنجره في القصر الرئاسي في صنعاء ثم يسأل مرتين ابن عمر والرئيس هادي أين يوقع فوجدت التطابق في التبعية والعقل والنقل والشكل واحد ...
ـــ أي منزل ليس فيه مكتبة هو قبر للأحياء وإن كان قصرا فما هو هنا إلا مجرد مأوى ليس إلا .
معلومة : الخطوة تعتبر لعبة الملوك وأحفاد الملوك عسير ، وأخذ بها الحكام وأحفاد الحكام ر فيده ، واستمتع بها الشيوخ وأحفاد الشيوخ من عبيده في طريب والعرين وسراة عبيده ، هذه مجرد معلومة شخصية لمن يريد أن يفهم فقط .
توضيح : صلابة الرأس وصحة الرأي وثقافة العقل تسمى الحماقة عند الجهّال ، لكن الجهل بالضرورة يعني خوا الرأس من الثقافة و العقل والتبعية في الرأي وحمية الجاهل .
فاصلة : ما أعرفه أن العقرب هي المخلوق الوحيد الذي يأكل مواليده إلا ما اعتلى ظهرها منهم ، فأي مخلوق هو ذلك الذي يبيّض أول النهار ثم يأكل ما يبيضه أخر النهار !!!!
إشارة : لكل دعيّ جاهل عليك بالكتاب فإنه رفيق أمين وفيّ للعقل ، والجهل عدو مبين له .
نقطة : في طريب من الإنسان الى البنيان تغيب الرؤيا السليمة وتحضر الآراء العقيمة فتكثر الأسئلة العديمة ،
معنى : العقل مثل الرجل يفكر والقلب مثل المرأة عاطفة ،فأقترن بأيهما شئت ، فكل قرين بالمقارن يقتدي . وداعا .
محمد بن علي آل كدم القحطاني
التعليقات 4
4 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓
محمد الجـــــــابري
31/03/2016 في 8:11 ص[3] رابط التعليق
لازلـت أبحـث عن ” قـرين وفـي” يعلمـني فـن اسـتخراج اللـؤلـؤ مـن المـحار بعـيدا عن دراويـش الصـوفية والـزار..
أسـتاذ/ ألادب والصـحافة والثقافـة والتاريـخ … اســمح لي ان أقـول عـنك صـراحة ” لـقد زاد وفــاؤك لطــريب اكثر مـن وفـاء السـمؤال لامـرؤ القيـس” لي عـــــوده ان بقــي فــي العمـــر بقـــيه…..
تحياتي
(0)
(0)
السقف البعيد
31/03/2016 في 10:49 ص[3] رابط التعليق
أبا ياسر مقال رائع لو خلا من الخاتمة ولكنك كالذهب يبقى بريقه وقيمته رغم تقادم زمانه شكراً لاطلالاتك في صحيفتنا الموقره كم نتوق لوجود امثالك
(0)
(0)
سعيد القحطاني
31/03/2016 في 10:21 م[3] رابط التعليق
الواقع هو ماكتبته يا استاذ محمد بتجرد ووضوح فأصبت واجدت وافدت ،،،اسمح لي ان اذكرك وانت تشير بحنق وازدراء الى اهل الحمية الجهلة والقنوات الخاوية الشعبية كلها انعكاس للتخندق في الاطار القبلي البدوي اللذي نافحت في مقال سابق عن البيئة البدوية وامتدحتها على حساب الثقافة والتحضر وهاءنت الان تعود لتتمنى ان يكون المجتمع مثقفا ومتخضرا وواعيا بعيدا عن قنوات الهياط البدوية ،،، وكما ذكرت سابقا امتن يوسف على اهله ان جاء بهم من البدو الى المدينة واصطفى الله الانبياء من اهل القرى والحواضر وساد الملوك والحكام واداروا ممالكهم ودولهم من قصور الحكم وسط المدن وليس من شراع الخيمة في بادية الجفاء والجلافه … تحياتي
(0)
(0)
محمد الجـــــــابري
06/04/2016 في 10:30 م[3] رابط التعليق
من لم يصاحبه الكتاب فليس عليه عتاب!!! والصحفيين الاوائل في الصحافة والتلفزة امثال”بدر كريم-ماجد الشبل-حسين نجار وغيرهم..لم تتوفق دوائر الاعلام باقسامه الثلاث بعدهم بمن يحمل الهم الفكري والتحديثي والتثقيف المجتمعي للاسف …
واصبحت قنوات المسخ والتطبيل بمذيعيها وصحفييها سيدة البروز للهياط والمديح والتمييع ومع ذلك يسمى اعلام!! أعجب من احدهم يزايد بالمديح في البعير “جريبان” وكاد ان يصف البعير بالشيخ مما يوحي بان صاحب البعير اشبه ما يكون ببعيرا ناطقا..
*جميلة تلك الصور التي نقلت واشرت اليها بمعرض الكتاب.. الا ان معوقات التثقيف تبقى عثرات منغصة… يعد الإنسان من الكائنات التي لا تعيش منعزلة بل هو يعيش في مجتمعات وتتكون تلك المجتمعات من تقسيمات هرمية تبدأ بالأسرة النواة ثم العشيرة، ثم القبيلة، ثم الشعب، وهنالك تفريعات متعددة وتقسيمات أخرى في كتب النسب ليس هذا مجال عرضها، ولكن المجتمع الحديث انتقل إلى المدينة لتكون عوضاً عن التقسميات كافة سوى الأسرة التي هي النواة، ولأجل ذلك فقد اضمحل مفهوم العشيرة والقبيلة واستمر مفهوم الشعب والمدينة والأسرة.
غير أن مفهوم القبيلة كأول تنظيم يمتلك القوة التي تمكنه من الدفاع عن الذات في مواجهة القبائل الأخرى لما يزل فاعلاً في بعض الأمم كالأمة العربية بأسباب متعددة لعل أهمها الاستغلال الإيديولوجي الكبير لتجهيل الناس ولإبقائهم في إطار العصبية القبلية غير الواعية مما يمكن من استغلالهم كأدوات للطغيان… ولكن التطور الحضاري جعل الحضارة الإسلامية تزخر بحياة مدنية تعايشت في الوقت نفسه مع التشكيلات القبلية من العرب ومن غير العرب التي قد تظهر فجأة على مسرح الأحداث بسبب ظروف ما يدفعها مستغل ما…
وفي هذا الزمن التواصلي العجيب زاد اضمحلال مفهوم القبيلة وإن بقي كمجرد مؤشر على أصل أو تأريخ قديم تحتفظ به القبيلة لتفخر بمنجزاتها الإنسانية إن كان يصح أن نطلق على ما تقوم به القبائل منجزات إنسانية … فالعالم صار مدينيا يعيش الحضارة بطرق متقاربة وتحت تنظيم الشعب والدولة التي تنظم ذلك الشعب سواء أكانت دولة متطورة أكثر مدينية أم كانت دولة متخلفة تعمل على تغذية التناقضات والعصبيات والإيديولوجيات لتستمر في البقاء…
ولا شك أن الجهل والاضطراب والتخلف والفقر والحروب حينما تحدث يبدأ الناس في تنظيم أنفسهم في تنظيماتهم المعتادة أو ابتكار الأحلاف المختلفة بهدف حماية أنفسهم ضد الآخر..
وبتتبع التأريخ العلمي يجد القارئ أن التقدم العلمي اقترن بأفراد ولم يقترن بجمعيات ولا تجمعات ولا حتى ما يسمى بالفريق البحثي – رغم أهميته -، وما ذلك إلا أن الملكة العقلية فردية، وهي تختلف كما أن المؤثرات الخارجية في الأفراد تختلف أيضا وتختلف الاستجابة من فرد إلى آخر كما تختلف في الوقت نفسه ردة الفعل من فرد إلى آخر، ولكن ذلك لا يقلل من أن العمل الجماعي هو أهم طريقة إلى النجاح بشرط إعلائه من قيمة الشرط الفردي في تحقق الفكر وتحقق العمل معا…
ولذا فإن التفكير عمل فردي، والعلم عمل فردي، والثقافة عمل فردي، والفن عمل فردي، حتى إن كان كل أولئك ضمن تجمع ما أو مذهب ما.
والمشكلة حين يطغى الجانب الجمعي على الجانب الفردي وخصوصاً في التأثر بالتشكل الاجتماعي الأولي وهو الأسرة والقبيلة عوضاً عن الفريق العلمي والجمعية
لأن التأثر بهذي الشكلين يعني ذاكرة ممتلئة تفضل الجمود النوستالجي كما أنه يرتكز على الدفاع ضد الآخر كمقاومة بهدف البقاء ولا يعني القيام بنتاج علمي أو ثقافي أو فني رفيع.
وقد لاحظت أن الأسر العملية في التأريخ الإسلامي إنما تنشأ وتزدهر في حالة الضعف والتخلف وسيادة الجهل حيث يبدأ أفراد من أسرة واحدة بحفظ العلم بهدف البقاء وخوفا من تلاشي المعرفة وغالبا ما تكون تلك المعرفة إيديولوجية لا علماً محايدا صارما هذا من ناحية ومن ناحية أخرى بهدف استغلال المعرفة وتوظيفها لصالح تلك الأسرة لتحظى بمكانة اجتماعية أو بمكانة سياسية في إطار منظومة التخلف وليستمر النظام متخلفاً بدعم أسرة علمية إيديولوجية متوارثة والمشكلة ليست في ذلك بل المصيبة الكبرى أن تلك الأسرة العلمية قد يصل بها الحال إلى احتكار العلم وإلى تجهيل الناس واستغلالهم من خلال ذلك العلم وهذا لا شك ما حدث في العهد المملوكي والعهد العثماني الذي بلغ فيه الجهل إلى أقصى مدى بتحالف الأسر العلمية مع الأنظمة المستبدة أو بتحالف الفقيه مع الشيخ، وحين استطاع العالم الحديث نشر العلم بطرق حديثة في تنظيمات مدرسية وجامعية عارضها بعض الشيوخ ذوو النفوذ المستند إلى أسرة علمية حتى يبقى نفوذهم ولكن الاكتساح العالمي الحضاري في صورة تنظيمات الحديثة لم يستطع أحد الوقوف أمام مده، ولذا لا نجد في الغرب شيئاً اسمه ( أسرة علمية ) توارث فيها الأب عن الابن عن الحفيد كهنوتا علميا بل نجد فرصا متساوية للدراسة والبحث المحايد يصل فيها إلى التميز والتأثير الأكثر قدرة والأكثر جلدا والأكثر علماً ، لكن ما يلفت النظر أن المجتمعات المتخلفة مازالت حتى الآن تنظر إلى الأسر العلمية بنوع من التقدير وهذا يدل على جرثومة زرعت منذ مئات السنين في عصور الظلام التي كانت فيها الأسر العلمية من أقوى العوامل على استمرار ذلك الظلام بما حفظته من علم إيديولوجي هزيل وبوقوفها الصامت مع الجهل والاستبداد بل لاعتبارها غير العلمي أن العلم يجري في تلك الأسرة مجرى الدم من العروق وهذا يدل على غاية الجهل في حد ذاته
إذن الأسر الع لمية كانت إحدى عوامل التخلف الذي ران فترة طويلة من الزمن، ومن الواجب إعادة دراسة الأسرة العلمية دراسة خطابية كتلك الدراسة التي قام بها ميشال فوكو للتنظيمات التي تنتج خطابها وتمارس خطابها وأثرها في الوعي الاجتماعي والتقدم العلمي بل أثرها المتسرب إلى واقعنا الحاضر..
ومما جعلني أقف على مصطلح الأسرة العلمية كتنظيم اجتماعي احتكاري للمعرفة هو خطر هذا التنظيم الاجتماعي والدور الذي مارسه في التأخر باسم العلم.
والأعجب ما أراه أحيانا من تردد مصطلح ( قبيلة المثقفين ) هنا، فهو مصطلح يشير إلى أن المثقفين تحولوا إلى تجمع قبلي يضاف إلى التجمعات القبلية العصبية التي يعاد إنعاشها، وقبيلة المثقفين تعني أنهم فئة متميزة تحتكر الثقافة وتدافع عن نفسها كما تدافع القبيلة عن نفسها، وأنها كما يقال تواصليا الآن ( مجموعة مغلقة ) فلن تكون مثقفا شرعيا ما لم تعترف بك قبيلة المثقفين وبعد تجربتي وملاحظاتي تبين لي فعلاً أن المثقفين هنا يتحركون كقبيلة لها اجتماعات القبيلة واحتفالات القبيلة ولها شيوخها ولها نياقها وبهائمها والمشكلة أن لها مرتكزات معينة تدور عليها كقبيلة ثقافية وهذه المرتكزات دائما ما يعاد إليها ليس بهدف نقدها وإنما بهدف تمجيدها وليس بهدف معرفة قيمتها الحقيقة بل لمزيد من المبالغة في إضفاء تلك القيمة. القبيلة الثقافية هي تماما كالقبيلة الدينية توأمان تقومان سداً منيعاً في وجه التغيير بالرضا بالثبات وبالتغاضي المتعمد عن لعبة العصبية القبلية التي تنظم بينهما بإحكام حفاظا على ممتلكات كل منهما والمشكلة أن الذين يطلقون مصطلح قبيلة أطلقوه لتميزهم عن غيرهم وهو تميز لعمري صحيح جداً هم قبيلة حاملة لقيم القبيلة السلبية دون أن يعوا بذلك هم قبيلة ثقافية ضد القيم الإنسانية باسم القيم الإنسانية هم يمثلون مع القبيلة الدينية ما يسمى بالنموذج الارتكاسي الذي أشار إليه نيتشه والذي تتمثل أهم خصائصه في العجز عن التقدير والمحبة، والسلبية، وإلحاق الأخطاء بالآخرين وتوزيع المسؤوليات والاتهام الدائم للغير، ولا ريب أن النموذج الارتكاسي الذي تمثله قبيلة المثقفين وقبيلة رجال الدين هو نموذج مصنوع بتعمد ومتصنع تلقائيا بسبب الظروف المهيئة لذلك التصنع دون وعي نقدي عميق وشجاع، فالنموذج الارتكاسي يظهر كما يقول نتيشه عندما يتم فصل القوى الحيوية عما تستطيعه. فكل قوة حية يتم فصلها عما تستطيعه تصبح كما يقول عبدالعزيز بومسهولي محرومة من شروط ممارستها لنشاطها الحر مما يجعلها قوة ارتكاسية أو نموذجا ارتكاسياً. أي نموذجا يعمل ضد الحياة ويعمل ضد نفسه وضد ذاته وضد وجوده.
هذه النماذج الارتكاسية ( الأسرة العلمية، القبيلة الثقافية، القبيلة الدينية ) هي بطريقة أو بأخرى أدوات لتجميد المعرفة والعلم والحضارة وهي تحافظ على ذاكرة ممتلئة مبجلة أو مقدسة تتذكر كل شيء لتشقى بكل شيء ولتظل تعيش في الذاكرة لا في الواقع الحي…
اما الخطوة فستبقى في المقدمه لعب الملوك والحكام والشيوخ رغما عن مقلدي المتدحرجين مهما حاولت الدجاجة تقليد الحمامه من السراة حتى تهامه وعلى قول ابن عشقة رحمه الله(قال ابن عشقه والله لا حاجة.. لمشي مع ذا البحر وامواجه.. لم عاد عقب الغوى شيمه)..
بالعلم والتثقيف تزداد فاعلية مبيدات القوارض … يا مخارج علي من عمته….
*** اتمنى لشخصك الكريم عمرا مديدا على طاعته ولطريب واهله كل خير
تحياتي “محمد الجابري”
(0)
(0)