كم من أمةٍ كانت آمنة مطمئنة تجبى إليها ثمرات كل شيء، ويأتيها رزقها رغداً من كل مكان، لم يخفق فيها قلب من خوف ولم تشعر فيها نفس بالجوع، فانقلبت أحوالها في طرفة عين، فإذا بالنعمة تزول وبالعافية تتحول، وإذا بالنقمة تحل، نسمع كل يوم عن كثير من الناس تبدل حالهم من حال إلى حال، كانوا يعيشون في رغد من العيش فأصبحوا في فقر مدقع، وناس كانوا يملكون السلطة والجاه أصبحوا مكسورين مذلولين بين خلق الله، وغيرهم كانوا يمشون بين الناس على أنهم شرفاء ففضحهم الله بين خلقه..
فماذا حدث؟ وماذا فعلوا حتى يغضب الله عليهم ويعاقبهم في الدنيا قبل الآخرة؟!
من روائع الآدب العربي هذه القصيدة التي قيل إنها للإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
إِذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا ... فَإِنَّ الذُّنُوبَ تُزِيلُ النِّعَمْ
وَحُطْهَا بِطَاعَةِ رَبِّ الْعِبَا دِ ... فَرَبُّ الْعِبَادِ سَرِيعُ النِّقَمْ
وَإِيَّاكَ وَالظُّلْمَ مَهْمَا اسْتَطَعْـتَ ... فظلمُ الْعِبَادِ شَدِيدُ الْوَخَمْ
وَسَافِرْ بِقَلْبِكَ بَيْنَ الْوَرَى ... لِتَبْصُرَ آثَارَ مَنْ قَدْ ظَلَمْ
فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ بَعْدَهُمْ ... شُهُودٌ عَلَيْهِمْ وَلَا تَتَّهِمْ
وَمَا كَانَ شَيْءٌ عَلَيْهِمْ أَضَرَّ ... مِنَ الظُّلْمِ وَهُوَ الَّذِي قَدْ قَصَمْ
فَكَمْ تَرَكُوا مِنْ جِنَانٍ وَمِنْ ... قُصُورٍ وَأُخْرَى عَلَيْهِمْ أُطُمْ
صَلُوْا بِالْجَحِيمِ وَفَاتَ النَّعِيـمُ ...وَكَانَ الَّذِي نَالَهُمْ كَالْحُلُمْ
كثر الحديث حول الضرائب وارتفاع الأسعار وعاش المجتمع في حاله من التوتر والقلق والخوف وتناسى المجتمع في لحظة من اللحظات ما كانوا عليه من بذخ وإسراف وتباهٍ وركض محموم وسباق مذموم على الشراء واقتناء ما ليسوا بحاجة إليه بل تعدى ذلك إلى عدم شكر النعمة في مظاهر يندى لها الجبين وتدمع لها العيون وتتفطر منها القلوب ويحتار في حالها العقل والفكر ولا تخفى عليكم تلك المقاطع التي انتشرت من بعض السفهاء وضعاف النفوس من تصرفات تدل على الكفر بالنعمة وتنذر بالخطر والوقوع في المعصية والخوف من العقوبة ومن تلك المظاهر الإسراف في الحفلات والمناسبات وتقديم أصناف متنوعة من المأكل والمشرب تزيد عن الحاجة !! تكفي لسد جوع آلاف الأفواه الجائعة ..
التباهي في تقديم الهدايا بشكل ملفت للانتباه مثيراً للتساؤل !! فالهدية في معناها وليس في قيمتها حتى تصبح مزايدة من الذي يقدم سعرًا أكثر..
مجاراة السفهاء في اقتناء كل ما هو جديد وغير مفيد !! لأجل أثبات الوجود لا أكثر..
وازداد الأمر سوءًا مما نشاهده ونسمعه وتتناقله وسائل التواصل الاجتماعي من سخافات وتفاهات لا تمت لديننا بصلة وليس لها معنى أو هدف سوى الإفراط والتفريط في شكر النعمة فقد شاهدتُ مقطعًا مثيرًا للسخرية ؛ زفّة لجمل وناقة قد ألبستْ الذهب ، في حين أننا نجد أنّ هناك آلاف الشباب ممن يرغبون بالزواج والعفاف والستر يجدون مهر شريكة العمر..
وآخر يضع الأوراق النقدية في دلة القهوة وبين طعام البهائم وهناك من أحضر دهن العود ليغسل الضيوف أيديهم به.
الصور كثيرة والشق أكبر من الرقعة ! النعمة تستوجب الشكر والشكر يستوجب تقدير النعمة والحفاظ عليها من الزوال بشكرها وصرفها فيما يجب.
الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم عليه الصلاة والسلام أمرنا أن نستمتع بالنعم من أكل وشرب وملبس وأمرنا بإكرام الضيف وإعلان النكاح والتهادي و الفرح قال الله سبحانه وتعالى ( يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) سورة الأعراف.
لا نخشى الفقر إنما نخشى العقوبة ومن لا يعتبر من أحوال الأمم والشعوب السابقة واللاحقة لاشك أن به ضرب من الجنون ..
وختاماً ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا..
التعليقات 14
14 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓
عبدالرحمن العبدالله
02/01/2018 في 2:04 م[3] رابط التعليق
ونعم بالله …من اطاعه وفقه واسعده ويسر امره ..ومن شكره زاده وبارك له.
(0)
(0)
عبدالرحمن العبدالله
02/01/2018 في 2:07 م[3] رابط التعليق
سبق قالها عمر رضي الله عنه..اخشوشنوا فان النعم لا تدوم…
نحن نعيش اعلى من المستوى ….طبعا ليس الكل..لكن لنعرف …انها ازمة فكر احيانا..لتدبير سياسة الحياة.
(0)
(0)
بيرو
02/01/2018 في 2:17 م[3] رابط التعليق
جميل جدا الله يوفقك
(0)
(0)
أم محمد القحطاني
02/01/2018 في 2:28 م[3] رابط التعليق
الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهك و عظيم سلطانك على النعم الي لا تنعد ولا تحص الله يجزااكم خير يالغاليه ويجعل كل حرف تكتبينه في ميزان حسنااتك❤
(0)
(0)
النوري
02/01/2018 في 3:19 م[3] رابط التعليق
اللهم لك الحمد على مانحن فيه من نعمه ولك الشكر استاذة فاطمه على قلمك الاكثر من رائع
(0)
(0)
لولوة الوهيبي
02/01/2018 في 4:46 م[3] رابط التعليق
مقال رائع بروعتك يالحبيبة ❤
اللهم احفظ علينا النعمة والعافيه والصحة والأمن والأمان يارب العالمين
(0)
(0)
أحلام الياسمين
02/01/2018 في 6:05 م[3] رابط التعليق
بارك الله في جهودك??
(0)
(0)
نوره المالكي
02/01/2018 في 7:55 م[3] رابط التعليق
كلام جميييل جدا سلمت يدك
(0)
(0)
احمد
02/01/2018 في 9:57 م[3] رابط التعليق
اللهم لك الحمد والشكر
بارك الله فيك
(0)
(0)
شيخة العتيبي
02/01/2018 في 10:41 م[3] رابط التعليق
أحسنت اختيار الموضوع المواكب للأحداث وعسى ان تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا لعل فيما يحدث الآن مصلحة لأبنائنا ليخشوشنوا فالنعم لاتدوم وليسترشدوا في الاستهلاك ويترفعوا عن بعض التصرفات التي يشغلون بها وقت فراغهم بلا فائدة منها كالدوران في الشوارع والتسكع في الأسواق دون حاجة الحمدلله نحن بامن وامان الذي لايقدر بأثمان والمساجد تصدح بالأذان والصلاة نسأل الله السلامة والإسلام دائما وابدا ويكفينا شر من يكيد لبلادنا ونسأله العفو والعافية
أسلوبك جميل وتناولك أجمل وفقك الله
(0)
(0)
البتول المغربي
03/01/2018 في 11:17 ص[3] رابط التعليق
كلام يحتاج أن يعلق في كل مكان … الحمدلله على كل نعمة لم نشكرها ونعطيها حقها ….. نحن لم نتعلم أن النعمة ممكن في أي لحظة تذهب عنا …. لذلك لابد أن نحافظ على نعمة ونعلم أبنائنا على ذلك …. التفريق بين شراء الألويات وشراء الكماليات…. أن يكون شكرنا فعلاً وليس قولاً فقط … سلمت أناملك يا أستاذة فاطمة ….
(0)
(0)
ام عمر القحطاني
04/01/2018 في 12:25 ص[3] رابط التعليق
وبالشكر تدوم النعم …
رائعه ومواضيعك تلامس الواقع دائما .بالتوفيق
(0)
(0)
الحازمي
04/01/2018 في 11:25 م[3] رابط التعليق
تدوم النعم بالشكر للمنعم سبحانه وتعالي..وتدوم النعم بحفظها.
تدوم النعم بالبعد عن المعاصي، اللهم ادم نعمك علينا.
كثر السفهاء وكثر المبذرون اللهم احفظنا وزدنا ولا تنقصنا..
شكرا استاذه فاطمة موضوع مهم جدا
(0)
(0)
ابو فيصل
09/01/2018 في 8:48 ص[3] رابط التعليق
اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضاء
برك الله فيك وفي قلمك
(0)
(0)