عاثت الثورة الإرهابية الإيرانية في الأرض فساداً منذ نشأتها عام ١٩٧٩م ولم ولن تهدأ حتى تحقق أهدافها التوسعية في الخليج والوطن العربي -إن أوتيت الفرصة- وباسم الدين الإسلامي! وقد انتعشت نشاطات هذه الثورة في فترات لعل آخرها فترة إدارة أوباما للولايات المتحدة الأمريكية التي اتخذت سياسة الانعزالية "المفتعلة" عن شؤون الشرق الأوسط المباشرة مع تشجيع المنظمات الإخوانية ومثيلاتها على تكريس ما يسمى (الفوضى الخلاقة) وما بعد الجيل الرابع من الحروب. وهذا بدوره أعطى الفرصة لإيران لتتمرد أكثر على الأعراف والقوانين الدولية الرامية لإرساء الأمن والسلم الدوليين.
لقد سوّقت الليبرالية اليسارية الغربية لسنوات طويلة، لصفقة الاتفاق النووي الإيراني وما صاحبها من تمكين إيران وأذرعها الإرهابية في المنطقة. ساهم ذلك بشكل مباشر في تغلغل إيران في دول الجوار وبشكل غير مباشر في تنفيذ أذرعها في المنطقة عمليات إرهابية على المنشآت النفطية والأعيان المدنية في السعودية والمنطقة وتهديد الأمن والسلم الإقليمي والدولي. ولتقييم أثر استراتيجية (الضغط الأقصى) التي انتهجتها إدارة الرئيس ترمب وبمساندة دول الخليج العربي وبعض دول المنطقة والعالم -ما عدا قطر، نرى أنها ألقت بثقلها على النظام الإيراني وحققت تأثيراً ربما أفضل من المواجهة العسكرية المباشرة. وبالمقابل، لم تؤد هذه الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية إلى تغيير جذري في هذا النظام الثوري المتمرد على النظام العالمي. ساهم في ذلك انقسام المجتمع الدولي والظروف المستجدة التي شكلت أولويات داخلية لدى دول العالم جراء جائحة كورونا وكذلك أحداث المظاهرات الواسعة المناهضة للعنصرية في أمريكا مؤخراً إثر حادثة (جورج فلويد) في (مينيسوتا)!
ويمكن الاستدلال على تأثر إيران باستراتيجية الضغط الأقصى بمؤشرات اقتصادية واجتماعية منها أن الدين العام الإيراني المتوقع بنهاية العام الجاري سيفوق (٧٪). وأن مستوى البطالة عام (٢٠١٩) كان (١٥٫٤٪) وستزيد بنهاية عام (٢٠٢٠)عن (١٦٪)، وأن مستويات التضخم زادت عن (٥٠٪)، مما سيجعل إيران داخلياً أضعف من أن تستعيد نشاطها الخارجي بسرعة وخصوصاً مع امتداد آثار أزمة جائحة كورونا وانخفاض أسعار النفط وسوء الإدارة الإيرانية للموارد الوطنية. وسيزداد تفاقم الوضع مع استمرار العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام الإيراني حيث من المتوقع عدم رفعها حتى مع تغير الإدارة الأمريكية الحالية على الأرجح، وذلك لاستراتيجية تأثير هذه العقوبات بالنسبة لمصالح أمريكا اقتصادياً وجيوسياسياً.
وفي إطار المناظرات السياسية في الداخل الأمريكي، يرى مراقبون وباحثون أمريكيون أن السياسة الأفضل لأمريكا هي "البقاء" في الشرق الأوسط اقتصادياً ودبلوماسياً وليس عسكرياً. وهذا يعني التوسط بين سياسة الانعزال والتدخل العسكري المباشر. وهذه الاستراتيجية مرغوبة في كثير من الأوساط الخليجية ما عدا تلك المتقاربة مع إيران. ولتحقيق هذه الاستراتيجية، يلزم أمريكا زيادة فرص التعاون التجاري والاقتصادي والتقني والدبلوماسي مع حلفائها في المنطقة والعرب تحديداً وخصوصاً السعودية. وهذا بدوره يضعف الدور الإيراني في المنطقة -فيما عدا الهجمات الإرهابية المنفذة من قبل أذرعها هنا وهناك- لأنها لن تستطيع مواكبة الركب اقتصادياً في المنطقة والعالم وستعاني من ضغوط اجتماعية وأمنية وسياسية جديدة. كما أن اعتمادها على الصين والعراق في التبادل التجاري وخصوصاً في مجال الطاقة، لن يجعلها أفضل حظاً من مرحلة ما قبل التعافي عالمياً من آثار جائحة كورونا (كوفيد-١٩).
لقد كسبت إيران بعض الوقت خلال السنوات (الأوبامية) للمضي في برنامجها النووي الذي يعتبر في الواقع اختياراً وطنياً لدى الإيرانيين وليس اختياراً مقصوراً على النظام كما يعتقد البعض. وبالطبع كان ذلك بدفع من قيادة النظام الإرهابي الذي جعل الشعب الإيراني يعيش الخوف من المجهول وينغمس في الأوهام والشعارات السياسية حتى ولو حرمه من لقمة العيش لعقود. كما ساهمت تلك الحقبة في التفاف النظام الإيراني على العقوبات الاقتصادية وتصعيد الحرب الإعلامية وتأجيج التابعين للنظام من الشعوب العربية ضد أنظمة دولهم، في منهجه المعروف لدى دول المنطقة أكثر من غيرها. ولكن هذا التقدم أعقبه تقهقر عام وسيعقبه سنوات تتسم بالتأزم في برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية الداخلية والتي بدورها ستجعل إيران منكفئة للداخل أكثر وأكثر على الأغلب، وفي عزلة حقيقية حتى عن حلفائها، بما في ذلك الأطراف الدولية المناوئة لأمريكا مثل الصين وروسيا! أما إن تمت صفقة نووية جديدة، فعندها فقط يمكن أن تكون بداية تحول استراتيجي شامل في المنطقة، وعندها لكل حادث حديث.
اللواء ط/ر/م عيسى بن جابر آل فايع
باحث/ ش الاستراتيجية والأمن الدولي