لم تنجح المساعي الدولية الرامية لتمديد قرار حظر الأسلحة على إيران الذي انتهى في (١٨ أغسطس الحالي)، من خلال التصويت على قرار مجلس الأمن في (١٤ أغسطس ٢٠٢٠م). والحقيقة انه غير مستغرب دعم فرنسا وبريطانيا وألمانيا لإيران حيث صوتت هذه الدول ضد القرار. هذه الثقافة مزروعة في أدبيات صناع القرار لديهم منذ سنوات. وهي قناعة زرعها الكتاب والمثقفون والإعلاميون في صناعة القرار الأوروبي وتحديداً في هذه الدول الثلاث. في أدبياتهم: إيران لم تعتدي على العرب بل العرب هم من اعتدى سابقاً (يصفون الفتح الإسلامي بأنه اعتداء)، كما أن إيران دولة صديقة للغرب وذات (ولاء) لأوروبا .. إلخ. ولعلهم يقصدون تاريخ إيران الصفوية الأسود، التي تآمرت مع البرتغاليين لغزو المنطقة انطلاقاً من (جدة) على الساحل الشرقي للبحر الأحمر، ومكنت الاستعمار البريطاني من العراق في أوائل القرن التاسع عشر. وهذا أيضاً امتداد تاريخي لمؤامرة ابن العلقمي مع التتار الغزاة من الشرق الذين فتكوا بالعرب المسلمين ودمروا بغداد عاصمة الدولة أثناء حكم العباسيين في منتصف القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي.
وفي الغرب أيضاً، هناك تسويق لفكرة عدم ممانعة تسليح إيران وتمكين برنامجها النووي والصاروخي بزعمهم أن ذلك سيؤدي إلى توازن واستقرار المنطقة وإنهاء النزعة العدوانية لدى النظام الإيراني! وبالمقابل هناك ضعف في المحتوى والجهد المعلوماتي يتضح في الإعلام والمكتبات الورقية والرقمية العربية وفي تسويق الحقائق عن إيجابية رسالتنا استراتيجياً (كعرب ومسلمين) والمعلومات الدامغة التي تفند مشروع النظام الإيراني وأذنابه ومؤيديه باللغات العالمية وبالطرق الدبلوماسية ذات الرؤية الموحدة، التي تكفل بناء رأي عام إقليمي وأوروبي وعالمي محايد ومنصف. فالجميع في منطقة الخليج والمنطقة العربية يعرف النظام الإيراني التوسعي القائم على تصدير الثورة وزعزعة أمن المنطقة العربية والشرق الأوسط من خلال إيجاد شرخ ثقافي واجتماعي في مجتمعات المنطقة مبني على الطائفية وتسويق أفكار دينية مسيسة لا يفهمها الغرب الأوروبي والأمريكي، بل نحن في المنطقة من نعرفها ونستطيع تفنيدها بل وإيجاد ثقافة إيجابية مضادة لها تعزز الأمن الفكري والاجتماعي في مجتمعاتنا ويمتد تأثيرها إلى المجتمعات الأوروبية والعالمية.
لقد نجحنا نسبياً في فضح نظام الملالي لدى مجتمعاتنا العربية والإسلامية في المنطقة، ولكن لم ننجح في إيصال هذه القناعات إلى صانع القرار الأوروبي تحديداً وخصوصاً في الدول الثلاث، فما بالك بالقاعدة الجماهيرية التي يمكن أن تؤثر على صناعة القرار الغربي عموماً! وإذا ما استشعرنا أهمية القوة المعلوماتية كعنصر مهم من عناصر القوة الوطنية على المستوى الدولي، فإن علينا إضافةً إلى العمل الدبلوماسي والاستعداد العسكري والأمني، أن نستشعر كمية العمل الإعلامي والمعلوماتي باللغات الثلاث تحديداً (الإنجليزية والفرنسية والألمانية) بحيث نستهدف قاعدة صناعة القرار في هذه الدول المؤثرة. كما أن مجهودنا الدبلوماسي والمعلوماتي (الخليجي) يجب أن يتخذ استراتيجية موحدة يبذل فيها الجهد والمال لتكوين رأي عام في الدول المؤثرة، مساند لتحقيق أهدافنا المشتركة، بحيث تجعل هذه الاستراتيجية كلمتنا مسموعة بشكل مقنع ومؤثر في القرار الدولي تجاه قضايانا وأمننا.
اللواء ط/ر/م عيسى بن جابر آل فايع
باحث/ ش الاستراتيجية والأمن الدولي