الطيور تحلق في الفضاء، تعانق الأفق، تمارس طقوس الحرية باحترافية عالية، ونحن نكتفي بمراقبتها ونغبطها على سعة مساحات الحرية المطلقة لديها، نتمنى أن نحلق معها في سماء الحرية، ولكن عن أي حرية سنتحدث؟
الحرية الشخصية، أم حرية المعتقد والفكر، أم حرية الرأي؟
الحرية أنواع ولكننا هنا لن نتحدث عن أيٍّ منها، بل سنتحدث عن حرية الأرواح السجينة .
سجن الأرواح أشد مضاضة من السجن الجسدي، إذْ حين تُغلق على روحك منافذ الحياة، وتستسلم لليأس والإحباط، وتقاوم الرياح المثقلة بالأمل والأمان النفسي، وتمد روحك طواعية للقيد المعنوي المدمر، وتخطوا خطوات واهنة في متاهات التخبط دون وعي! فأنت بلاشك تسجن روحك سجنا أبديا لا ترى معه حرية تصنع بها مستقبلا مُشرعا أبوابه لجمال الحياة.
نعم أنت من تسجن روحك بإرادتك .
سجن الروح يأتي من تأطيرها في علاقة فردية وحيدة، تظن أنها الحياة! تعيش لها وبها فقط، وتظن يائسا أن الحياة تتوقف في بُعدها أو فقدانها حتى يخيب ظنك!
تسجن روحك أيضا بعدم الثقة بإمكاناتك الخاصة وما تمتلكه من قدرات، والتي يجب أن لا تؤطر في مواهب حِرفية فقط، فلديك ما تستطيع تطويعه والاستفادة منه.
وهناك من يسجن روحه سجنا أبديا بإيمانه المطلق أن الجميع لا خير فيهم! فيُقدم سوء الظن على أحسنه! إذْ تجده لا ينفك عن التشكيك في هذا والخوف من ذاك! فيعتزل الحسن خوفا من السيء في وحدة اختيارية فرضها على نفسه فيسجن روحه في المسافة بينهما..!
وقد تسجن روحك حين تقيد نفسك بمستلزمات ليست من واجباتها، فتتحمل عبئا ليس واجبا عليك حمله !
تحرم نفسك لينعم الآخر !
تحرق نفسك ليدفأ غيرك
وتظمأ ليرتوي غيرك … وتموت حيا وهو لا يشعر بك..!
مظاهر سجن الأرواح متعددة وإن لم تبدو واضحة، ولكن بيننا من يكتشف ذلك في نفسه، فيسعى جاهدا لكسر القيد، وإطلاق سراح روحه بالإيجابية، والتسامح، والتصالح مع المجتمع المحيط، حتى وإن كانت آثار الجروح من الآخرين للآخرين بينة وواضحة، فقد ارتدي لها جلبابا فضفاضا يخبئ أوجاعه بين طياته عن الشامتين، وضحك من أعماقه ليبدو أجمل وأكثر أناقة في أعين أحبته، وترك لروحه العنان في التحليق عاليا، وعلم أن التغيير يبدأ من ذاته دون الاستعانة إلا بخالقه.
قال تعالى (( إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ )).
بقلم✍🏻: جواهر محمد الخثلان