أشغلتنا الحياة بمغرياتها ترفاً ونعماً وبهموها حزناً وألماً، أقبلنا على الحياة بشغف وتعلق وكأنها دار الخلود وتناسينا أنها محطة للعبور، باتت علاقاتنا باهتة باردة لا روح فيها ولا حياة، أحياء وفي الحقيقة نحن أموات، نتنقل بين مواقع التواصل الاجتماعية وفقدنا التواصل الصحي والعلاقات الاجتماعية.
اختلفت ثقافتنا وقناعاتنا وقلة اجتماعاتنا وتفرقت أسرنا وتقطعت أواصر الرحم التي تربطنا، الجميع مشغول بلا شغل!!!
حين تجمعني مناسبة بجداتنا وأمهاتنا كبيرات السن جيل الطيبين كما يسميهم البعض واستمع إلى حديثهن الممتع وذكرياتهن الجميلة، وتفاصيلها البسيطة وتلك السعادة التي كانت حاضرة على الرغم من مرارة حياتهم وقسوتها فقر وجوع كد وتعب وعلى الرغم من ذلك هم سعداء.
وأتسأل ما سر تلك السعادة ؟
كيف أحبوا الحياة رغم مرراتها؟
ولماذا هم الآن يتمنون أن يعود الزمان إلى الوراء ليستمتعوا مع أحبابهم بتلك الأيام وتلك الذكريات؟
لماذا باتت حياتنا رتيبة كئيبة؟
بالرغم من كل المتع والنعم التي تحيط بنا بلا عناء ولا تعب ولا حاجة ولا فقر ولا جوع!!
لماذا الأغلب منا يصيبه الضجر دائم التأفف يردد عبارة (طفشان) ولم يقتصر ذلك على الكبار بل حتى الصغار، فلم تعد تسعدهم المادة ولا الألعاب ولا الأجهزة ولا السفر.
لقد انشغلنا بالتوافه وتجاهلنا المعالي، أصبحت البيوت لدى الكثيرين من الأسر بمثابة السجن أن صح التعبير، تلك اللقاءات والاجتماعات فقدت روح اللقاء فلا حب ولا شغف ولا شوق البعض يعتبرها تأدية واجب، والبعض يعتبرها مجاملة والبعض يعتبرها تسلية، فقدنا جمال اللقاء وروعته وبتنا نعيش في دوامة من الانشغال لأجل الانشغال فقط.
جعلنا من تلك اللقاءات هم !! ومجاملات! وتنافس على البذخ والإسراف موائد وسفر وأواني وبهرجه.
ما هكذا إكرام الضيف يا سادة!!
أن تفقد الأقارب والاصدقاء واطلاق الوجه عند اللقاء هو سر من أسرار دوام الألفة وذهاب الكلفة، بل أن تلك الكلفة أدت إلى قطع الكثير من العلاقات والصداقات والزيارات فليس الكل يستطيع أن يستقبلك ببهرجة ويضع أمامك ما لذ وطاب من أصناف الطعام والحلوى وليس الكل يستطيع أن يغير أثاث بيته كل عام ويقتني اواني ضيافة عند كل زيارة، واقع مرير تعيشه الكثير من الاسر اليوم.
نعيب زماننا والعيب فينا=وما لزماننا عيبُ سوانا
فإذا زادت الكلفة قلّت الألفة!!
في زمن الجدات والامهات البيوت مفتوحة للأسر وللأقارب وللجيران وللضيوف بيوتهم رغم افتقارها لأبسط مقومات الضيافة إلا أنها تعتبر فندق للزوار وسكن لطلاب العلم ومستشفى للمرضى والمراجعين.
هل كانت الأسر في الماضي تملك المال الكافي لتقديم كل تلك الخدمات للمحتاجين إليها ؟؟
أم أنها البساطة والبركة نفوس جبلت على حب الأجر وفعل الخير واسدى المعروف وحفظ الجميل.
لا يوجد خادمات ولا أجهزة كهربائية ولا تنوع في أصناف الطعام، وعلى الرغم من ذلك عاش الجدات والأمهات الحياة بالحب والعطاء والبذل.
لا تعبس وجوههن ولا تضيق صدورهن يقدمن واجب الضيافة والمساعدة وهن مسرورات سعيدات راضيات.
حديثهن لا يمل ومجالسهن لا تفوت ارواحهن الجميلة وقلوبهن النظيفة وانفسهن الطيبة جعلت للقاء جمال وحياة لا نجدها اليوم في افخم المجالس واجمل الموائد.
كما قيل في المثل العامي ( لقيني ولا تعشيني)
وسُئل الأوزاعي : ما إكرام الضيف ؟
قال : طلاقة الوجه ، وطيب الكلام .
وقال ابو العلاء المعري:
أضــاحـك ضَيـفــي قـبـل إنـزال رَحْـــلهِ
فيخصـبُ عندي والمكانُ جديبُ
وما الخَصْبُ للأضياف أن يكثر القِـرَى
ولكنَّمـا وجــهُ الكـريــم خصيـبُ
ما أحوجنا إلى أحياء تلك الجماليات في هذا الجيل وأن نعيد زمن الطيبين في بيوتنا من جديد ونحتسبها صلة وقربه وفرصة لنشر الخير وطلب الأجر بالكلمة الطيبة واليد الحانية.
بقلم / فاطمة الجباري
التعليقات 17
17 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓
محمد الجـــــــابري
06/06/2017 في 5:36 ص[3] رابط التعليق
احسنتي القول والاولين حافظوا على القيم والبشاشه في وجيه زائريهم
وانشـاء الله ابناؤنا يقتدوا بالصـــالح ولو انه قل التناصـــح بالمــجتمع
وطغت المـجاملات على الواجـبات..وهـذه ابيات قليله تحـفز المقصــرين
إذا المرء وافى منزلًا منك قاصدًا———– قِرَاك وأرمَـتْهُ لديك المسالك
فكن باسمًا في وجهه متهلِّلًا————- وقل مرحبًا أهلًا ويوم مبارك
وقدِّم له ما تستطيع من القِرَى———– عجولًا ولا تبخل بما هو هالك
فقد قيل بيت سالف متقدِّم—————- تداوله زيد وعمرو ومالك
بَشَاشَة وجه المرء خير من القِرَى——- فكيف بمن يأتي به وهوضاحك
تحياتي
(0)
(0)
حصه
06/06/2017 في 1:03 م[3] رابط التعليق
فعلآ .. الحين اذ المجتمع يقدر قدّره و مقامه عند اللي بيزوره من طريقة ضيافته و استقباله .. وللاسف انشغلنا بااتفه الأمور و نسينا ان البساطه هي اساس كل علآقه .. الله يحسن حآل الجميع يارررب
(0)
(0)
ايمان طيب
06/06/2017 في 1:10 م[3] رابط التعليق
مقال رائع جدا فعلا البساطة والنفس الطيبة اجمل من التكلف والمظاهر .العالم اصبح في دوامة المفاخرة والترف واللاوعي للاسف
(0)
(0)
ام ياسر
06/06/2017 في 1:14 م[3] رابط التعليق
مقال جميل يحكي واقعنا
(0)
(0)
سعاد
06/06/2017 في 1:19 م[3] رابط التعليق
جميل ورائع سلمت انامك
(0)
(0)
أم نواف
06/06/2017 في 1:20 م[3] رابط التعليق
بارك الله فيك مقال رائع ومعبر عن واقعنا الحالي للأسف قل تواصلنا بسبب زيادة البهرجه والتكلف والبذخ
(0)
(0)
امل محمد
06/06/2017 في 1:30 م[3] رابط التعليق
كلام رائع كروعة كاتبته
سلمت يمينك فاطمه
فعلا افتقدنا الاجتماعات الجميله البسيطه بون تكلف
(0)
(0)
الحرف الخالد
06/06/2017 في 1:38 م[3] رابط التعليق
مقال يحكي تفاصيل واقعنا فعلا
بوركت جهودك وصح منطوقك
لكن حبذا لو استبعدت بعض الأخطاء الإملائية
(0)
(0)
Hessa
06/06/2017 في 2:08 م[3] رابط التعليق
?? ما احوجنا الى العودة الى الماضي من اجلنا وأجل الأجيال القادمة نربى ابنائنا على مارُبينا عليه ?
سلمت أناملك ايتها المبدعة
(0)
(0)
مسفره المالكي
06/06/2017 في 3:28 م[3] رابط التعليق
كلمات رائعة
ما احوجنا لمثلها في هذه الايام التي ضيعنا فيها كثير من السعادة البسيطة واقتصرت نظرتنا لمغريات الحياة وتوافه الامور
كاتبه مميزه ومقال جميل
(0)
(0)
فــ خيرــال
06/06/2017 في 3:40 م[3] رابط التعليق
سلمت ابداعاتك استاذه فاطمه فعلا واقع نعيشه فالمجاملات وحب الظهور في اكمل واجمل هيئه والتكلف بالاستقبال وتقديم افخم المشروبات و المأكولات حتى لوكانت زياره عابره قد تستغرق نصف ساعه افقدنا شوق وجمال اللقاء وتثاقلنا الزيارات الجميله العفويه بين الجيران والأهل?
(0)
(0)
دانا ديم
06/06/2017 في 4:13 م[3] رابط التعليق
صح لسانك ام محمد فعلا فقدت الاجتماعات العائليه معناها اصبح الكل همه المفاخره والمباهاه وذهبت البساطه والانس في الاجتماعات
(0)
(0)
ابو فيصل
06/06/2017 في 6:42 م[3] رابط التعليق
الله المستعان نحن تدفع ضريبة المدنية ورغد العيش بان اصبحنا اشلا كتاب الذكريات
اسعدتينا سيدتي بكتاباتك
لا حرمك الله الاجر
(0)
(0)
هدى خليل
07/06/2017 في 2:49 ص[3] رابط التعليق
نعم دخلت المجاملات حياتنا فرحلت ارجل الزوار من دارنا وخلت الزوايا من همس الكبار وضحكات الصغار وحتى من تغاريد العصافير
(0)
(0)
عيسى العيسى
07/06/2017 في 2:33 م[3] رابط التعليق
كلمات تسجل بماء الذهب فعلا ا. فاطمه وضعتي يدك على الجرح… واقنا الان للاسف بعد ان قضت وسائل الترفيه والتواصل على علاقاتنا ببعض
(0)
(0)
عائشة جراح
07/06/2017 في 9:42 م[3] رابط التعليق
ماأجمل حياة البساطة والعفوية بلا تكلف وبلا مزايدات على بعضنا البعض.. سلمت أناملك الراقية وشكرًا لإتاحة الفرصة للتعليق على إحدى مقالاتك متمنية لك مزيدًا من التألق فاطمة
(0)
(0)
ام نوف
08/06/2017 في 2:24 م[3] رابط التعليق
احسنتي ام محمد في كل حرف خطه قلمك الصادق والصراحه المخجلة اننا فعلا نعيش هذه المعاناة وماذكرتي صار ويكبر يوما بعد يوم ونسأل الله السلامة والعافية
المشكلة الاكبر من ذلك وياليت تتحدثين عنها لانها معاناة بالنسبة لي وهي
ان الضيف لايحترم صاحب المنزل بمعني تجي الوحده بعيالها وتعالي شوفي انواع التخريب وقلة الحياء ان سكتي زادوا في ابداعاتهم وان تكلمتي شعرتي بالخجل وزعلت منك الام وراح تحلف انها ماعاد تجي واظطر الى السكوت وتنتهي تلك الزيارة بتخريب الممتلكات وجلسة اسبوع تنظيف لتلك الزيارة الميمونة
بعدها ما ذا يحدث اظطرا الى عدم الذهاب اليها حتى لاتفكر في العودة لي مره اخرى
وياريت على الاقارب من الدرجة الثانية او الثالثة المصيبة اذا كانوا من الدرجة الاولى احتمل ظغط اكبر وانا ارى انها مشكلة كبرى يجب الحديث عنها بقلم يجيد الوصف والتعبير والنصح والارشاد
وانتي خير من يمثل ذلك .
(0)
(0)