مَنّ كان يظن قبل 20 عاماً أن تصل التقنيات والابتكارات العلمية إلى ما وصلنا له الآن؟ من كان يظن أن يتحول هذا الكائن الصغير لهذا الوحش المرعب، من كان يخطر بخياله أنه وهو جالس في بيته يستطيع الاطلاع صوتاً وصورة على كل أحداث العالم بكبسة زر؟ إنها التقنيات العصرية والتكنولوجيات الثورية في عالم رقمي معقد، ولم يتوقف هذا الوحش عند هذا الحد فيوماً بعد يوم يلد لنا كائنات صغيرة هنا أو حشرات حقيرة هناك أو كائنات فيروسية لا يعلم ضررها إلا الله.
أصبحت هذه التقنيات تصنع الوهم وتقنعك بأنه عين الحقيقية تُكبر الصغير وتُصغر الكبير وتشوه الجميل وتجمل الدميم فالتكنولوجيا استولت علينا تمام الاستيلاء فأصبح كل ما حولنا ومن حولنا مرتبط بعالم التقنيات فالجوال الذي في جيبك أصبح السكرتير الخاص والقناة الإخبارية والتعليمية وقاعة السينما ونادي الألعاب واستديو التصوير وكاتم الأسرار والمستشار الخاص والمكتبة الشخصية وغيرها أصبحت التكنولوجيا تتحكم فينا بدلاً من أن تكون في خدمتنا، وأتذكر قصة قرأتها فترة التسعينات الميلادية كان يتوقع الكاتب أن تقوم التكنولوجيا والتقنيات الحديثة أو ما يعرف بالذكاء الاصطناعي بالسيطرة على البشر جميعاً وهذا ما يحدث الان، فبأيدينا نصنع من يحتلنا وبأيدينا نبي مساجننا.
إننا نجد اليوم ما يعرف بمواقع التواصل الإجتماعي وهذه المواقع التي تطلعنا على كل صغيرة وكبيرة وتعلن عن أدق خصوصياتنا وتشارك الناس في كل مناحي حياتنا وأصبح للبعض ما يشبه الإدمان على تصوير ونشر كل شيء، ليس فقط يومياتنا بل ساعتنا ودقائقنا والثواني التي نمر بها.
إن هذه الأوهام الخيالية والأقزام القبيحة وما تنتجه هذه المواقع والصفحات من كائنات غريبة لا نعرف عنها شيء، أتوا من العدم، فصار من لا علم له يدعي العلم وينشر هنا وهناك سواء مقالات مسروقة أو أبحاث منسوخة أو قصص مترجمة، والغريب أنك تجد الالاف ممن يتابعون هذا الشخص أو تلك الصفحة ويصفقون لهذا القزم دون وعي ليحوله من مجرد شخص لا قيمة له إلى عملاق هائل يمكن أن يدمر عقول الكثيرين بسبب عدم نضجه أو قلة خبرته.
إننا بحاجة إلى مشروع توعوي من أجل معرفة الخبيث من الطيب ويدربنا على تمييز الجميل من القبيح، فصاحب الذوق الرفيع لا يقبل أبداً بالصور الدميمة والأفكار العفنة، وليكون هدفنا صناعة مجتمع صاحب ذوق راقي يميز كل ما لا يليق بنا وبأخلاقنا وتربيتنا وديننا، كما أن هناك أفكار ايجابية موجودة بالفعل تحتاج إلى رعاية وهناك العديد من المواقع الموثوقة التي تقدم خدمات مختلفة، كما يمكن أن يكون لدينا بعض المشروعات الوطنية الضخمة التي يمكن من خلالها حل الكثير من المشكلات التي تسببها هذه المواقع، فالصين مثلاً قامت بعمل موقع تواصل اجتماعي للصينيين فقط بدلاً من الفيسبوك يراعي ثقافتهم وتوجهاتهم واخلاقيتهم، لسنا بصدد مناقشة جمال أو قبح هذه الثقافة أو تلك، ولكننا بصدد الاستفادة من التجربة نفسها، فلماذا لا يكون لنا مواقعنا الخاصة بنا التي تتوافق وثقافتنا العربية والإسلامية ولماذا لا تكون أحد مشروعاتنا الوطنية هو مشروع توعوي ومواقع اجتماعية هادفة يتم فيها فصل الغث عن السمين قبل نشرها. كما أنه لابد من توعية صغارنا بأهمية الحذر ثم الحذر من أن يقعوا في شراك هؤلاء الجهلة مدعي العملقة من المتطرفين والمتخاذلين والحمقى والجهلة المتخلفين ولنعلمهم كيفية الاختيار ولنساعدهم على تنظيم أوقاتهم فلا تتركوا أولادكم لذلك الغول ينهش عقولهم وقلوبهم وأجسادهم انتبهوا انتبهوا قبل فوات الأوان.