بعد أربعين عاما تقريبا تحققت لي الزيارة الثانية لمحافظة الأحساء أرض الإنسان، والنخيل والعيون، وجذور حضارة عريقة تمتد لأربعة ألاف سنة، بدعوة من نادي الأحساء الأدبي وجمعية "إعلاميون" للانتشاء بذكرى يومنا الوطني 88 .
الأحساء الممتدة على ربع مساحة المملكة تقريبا واحة من عجائب قدرة الله، وضعها سبحانه في قلب الصحراء تحيط بها مخاطر الصحراء من كل جهة، تنتشر فيها العيون العذبة ، وتنتج أجود أنواع التمور، وتعد أكبر واحة نخيل في العالم " تسمى بحر النخيل".
حاولت الاستفادة من كل دقيقة في هذه الزيارة التاريخية مع رفاق الدرب، حيث زرنا جبل القارة " 12 كيلومتر عن الهفوف"، وهو من أبرز المعالم السياحية في الأحساء، بل أهمها ففيه تستطيع مشاهدة الطبيعة الصخرية وتشققاتها العجيبة، وكهوف باردة صيفا دافئة شتاءً، وممارسة عبادة التفكر في ملكوت الله، وزاد من روعة المكان تسليمه لشركة محترفة حافظت على جماليات الموقع دون تدخل الإنسان في المكونات الصخرية المذهلة، وحافظت على نظافة المكان وهذا ما نتمنى استنساخه في منتزهات منطقة عسير.
مرشدنا الخلوق عايض الحقباني منحنا فرصة مشاهدة قصر إبراهيم باشا وسط مدينة الهفوف، وشاهدنا فندق "الكوت" الشعبي السياحي الجاذب والمختلف في كل شيء، يحتوي سبع غرف فقط، تديره نساء الأحساء بكفاءة عالية، وعرجنا على بيت الملا الذي أقام فيه الملك عبد العزيز طيب الله ثراه بعد أن دخل الهفوف، ومررنا على المدرسة الأميرية التي درس فيها خالد الفيصل، بنيت عام 1360هـ، وتمتاز بتصميم عمراني رائع لها بوابة دورين، وتبرز في مقدمتها شرفة ذات اطلالة على الفناء الخارجي، والسيطرة على جناحي المدرسة، ثم مررنا على سوق القيصرية، واستمرت جولة الثقافة والمعرفة مع الحقباني ليمر بنا على بناية يعتبر عقد إيجارها الأغرب في السعودية حيث تم تأجيرها مائة سنة كل سنة بكيس رز ولا زال العقد ساريا ويتسلم المؤجرون " شوال الرز سنويا".
اكتملت متعة التنقلات الاثرائية السياحية بمشاهدة مشروع الري العملاق، وعيون "الحسا" وهو الاسم الفعلي لمنطقة الأحساء، ثم توقفنا في منطقة جواثا التي تبعد 17 كيلومتر عن الهفوف، حيث المشروع السياحي الترفيهي المتكامل ، وبها ثاني أقدم مسجد أقيمت فيه صلاة الجمعة بُني في السنة السابعة للهجرة .
مع متعة السياحة، والثقافة، والمعرفة كان نادي الأحساء يعزف لنا في المساء أجمل لوحات الابداع بضيوفه من داخل المملكة وخارجها ، وكان الاوبريت يحكي تاريخ وطن بأكمله، وكان الجمع في غاية الدهشة لهذا النادي الذي دخل ساحة المنافسة الشريفة مع بقية الأندية الأدبية فخطف صولجانها بمثالية إدارته بقيادة الدكتور ظافر الشهري، وجودة المنتج، وروعة العطاء، وزاد من مساحة لوحته الإبداعية ذكاء التكامل مع أول وأكبر جمعية " جمعية إعلاميون" والتي تشق طريقها لتكون دائرة ضوء تشرق في جنبات الجامعات، والأندية الأدبية، ومختلف القطاعات.
حاصرت الصديق الدكتور صالح الغامدي في كورنر ابداع نادي الأحساء الأدبي ومبناه الفاخر بما يحتويه من قاعات فسيحة، ومكتبة أنيقة، وركن خاص للأطفال، ومسرح بأحدث المواصفات التقنية، وفناء واسع للاحتفالات، وقلت له بصفتك عضواً لنادي الرياض الأدبي الغائب في دهاليز الزمن متى يخرج ناديكم من غيبوبته؟ إدارة نادي الرياض الأدبي مطالبة بمنشأة تكون واجهة للمشهد الثقافي السعودي، ومناشط تفاعلية تلوي إليها الأعناق، أو ترك المجال لكوادر جديدة، أو استنساخ "ظافر شهري آخر، أو تعليق لافتة " للتقبيل لعدم التفرغ" أما نادي أبها الأدبي فلديه برنامج ضخم لا يعلم عنه أحد لأنه عزل منجزه عن "إعلاميون".
فيما كنت استغل كل دقيقة منذ وصولي للحسا كنت اتخول الوقت المعرفي لزيادة مساحة العلاقات، وبناء جسور الثقافة فتحدثت مع ضيوف النادي الأدبي ، وسرني طموح الشباب من خلال الشاب " عبد العزيز" المتجه لتحضير الدكتوراة وهو عضو فاعل في الأمن السيبراني والبرمجة والدروز، وقلبت بعض صفحات الزميل حسن خليل من خلال تجربته العريضة في مجلة الحرس الوطني، وضيوف الجنادرية، ولا زلت اتشوق للمزيد ، أيضا توقفت عند الكاتبة السعودية خديجة عجاج وقرأت من خلالها منجز شقيقتها "رقية" الحاصلة على الماجستير والتي تحضر الدكتوراه حاليا في أميركا، ولم تقف الإعاقة البصرية دون طموحاتها، واطلعت على أول ورشة ميكانيكية متنقلة لشبان سعوديين، وسوف تنتشر هذه الفكرة الرائعة قريبا في بقية المدن السعودية، تخولت الوقت وبحثت عن ضالة المؤمن في كل أرجاء الملتقى فخرجت بمكتسبات عدة.
لملمت أوراقي وغادرت الأحساء المكان ، ولم أغادر الإنسان الذي زرع في وجداني أجمل الذكريات، ومضى كلُ منا إلى غايته، قد تجمعنا الأيام ذات يوم إذا شاء الحق، وقد تحول دون ذلك إذا عز اللقاء.