زاوية: في خضم الحياة
الغباء الاجتماعي، هو نوع من الضعف في التفاعل مع الآخرين، ابتلي به ملايين البشر حول العالم، المصابون به يعانون منه كثيرا، لكن الأشد منهم معاناة هم الذين يخالطونهم، فهم في صراع دائم مع أولئك الحمقى، لأن الغبي اجتماعيا تصدر عنه تصرفات غبية، تجعل الآخرين المخالطين له يشعرون بالإحباط والألم والتعاسة، ذلك لأن معظم تلك الأفعال قد تكون في أحيان كثيرة أفعالا غير مقصودة وغير مخطط لها، لكنها أفعال مزعجة تثير الغضب، يمتد ضررها على الآخرين بنسب متفاوتة، وفي الغالب تكون تلك الأفعال والتصرفات بسبب قلة الوعي والتسرع في ردود الفعل وإصدار الأحكام على الآخرين دون أدلة أو براهين، وادعاء الدراية والخبرة والمعرفة، وهي بعيدة عنهم كل البعد
الأشخاص الذين يعانون من الغباء الاجتماعي أو ما يسمى انخفاضا في معدل الذكاء، دائما تجدهم في صراع مع أنفسهم وخلاف دائم مع محيطهم، سواء كانوا أفراد العائلة أو الزملاء في العمل، أو الغرباء، أو حتى أثناء مرروهم في الطرقات، لأنهم يرون أنفسهم على حق، وأن الآخرين على باطل، وكثيرا ما يدخلون في مراء وجدال ونقاش مع الجميع لإثبات فهمهم وعبقريتهم.
لكل مقام مقال؛ لا يهمهم هذا البتة، فهم غير مراعين أن يفكروا قبل أن يتحدثوا، ولا يعنيهم شيء اختيار الكلام المناسب في الوقت المناسب، يقال للشخص المناسب، لا يعرفون الفرق بين الصراحة والوقاحة، ولا يضعون لمشاعر الآخرين قدرا ولا قيمة، فقد يخوضون في موضوع لا علاقة له بالحدث الذين هم بصدده. وقد يسألون أسئلة غاية في الغباء. فإلى الله المشتكى...
أو قد يكون أحدهم مدعوا في إحدى المناسبات فيبدأ الحديث ويبتكر موضوعا يكون فيه المتحدث الرسمي ولا يسمح لأحد أن ينطق ببنت شفه، حتى يتم إسكاته، أو ينفض الناس من حوله؛ وقد يقابل أحد المدعوين فيبدأ معه بإجراء مقابلة شخصية موسعة ليعرف كل شاردة وواردة عنه، وحين يجد ذلك الشخص المسكين فرصة للإفلات منه والفرار من اسئلته المتطفلة، وما هي إلا برهة حتى ينتبه بأن لا أحد بجواره، فينتفض ويقوم من مجلسه كاللديغ، ويفتش عنه في كل زاوية حتى يجده ثم يجلس إلى جوار الطريد الهارب، ويستطرد قائلا "يا رجال وين رحت؟ ما كملنا كلامنا"...
ومن قبيح أفعال الشخص الذي يعاني من الغباء الاجتماعي أنه لا يفرق بين الصواب والخطأ، كما يفعل الواعين المدركين للنتائج والعواقب التي قد تنشأ نتيجة لعدم التريث والاتزان في الأقوال والأفعال، وعند الوقوع في الخطأ لا يتحمل المسؤولية بل يحاول أن يلقي اللوم على غيره، -علاوة على ذلك- أنه يفتقد إلى للباقة في الحديث مع الآخرين، وحساس جدا للنقد ولا يقبله أبدا حتى من أقرب الناس إليه، وإن كان ذلك النقد أو حتى التوجيه يصب في مصلحته، لأنه يشعر بأنه ليس بحاجة إلى كل ذلك، لأن لديه الاكتفاء من الحس والإدراك والمعرفة التي تجعله في معزل عن تقبل أي نقد أو توجيه يوجه له.
الغباء الاجتماعي حالة عميقة وعجز عن ربط المعلومات المعرفية ببعضها، وحالة مزعجة من تبلد الإحساس واللامبالاة، ينتج عنها تفرعات عديدة كالتعصب القبلي والمناطقي والتعصب الرياضي وغيرها من التعصبات المقيتة، إضافة إلى الشعور بالعزلة، وقلة الثقة بالنفس، وكل ذلك له أثر مباشر وغير مباشر على الحياة الشخصية والعملية في آن واحد...
وللغباء الاجتماعي مساوئ أخرى عديدة كالأنانية وحب الذات بصورة مفرطة، وينظر المصاب بهذا الداء إلى إنجازات الآخرين بدونية وفوقية، ويسعى إلى انتقاد أصحابها والتقليل من شأنهم، ويركز بصورة أكبر على انتقاد ذوات الأشخاص، ناهيك عن انتقاد نجاحاتهم وإنجازاتهم دون أن يقدم دليلا واحدا على ذلك النقد اللاذع المؤثر في نفوس الناس.
ولا غرو؛ أن كانوا لا يبالون بشكوى الغير ولا يتعاطفون معهم بصدق، فإن شكوت لهم لتجد لديهم ما يؤنسك ويواسيك ويخفف عنك، وجدتهم هم الشاكين المتألمين المظلومين المضطهدين، فيصبون عليك من الهموم والغموم والتأوهات صبا، حتى تود لو أنك سكت ولم تفضفض لهم بشكواك وندمت على البوح لهم ببلواك فإلى الله وحده المشتكى.
وأخيرا، وليس آخرا، الغباء الاجتماعي آفة نعيشها بشكل لحظي، نتحمل نتائجها نحن وندفع الثمن ذلك الغباء المستفحل من أحاسيسنا ومشاعرنا وتفكيرنا شئنا أم أبينا، فلا فكاك ولا مناص منهم إلا أن يلطف الله بحالنا معهم.
وإن ذلك الغباء المقيت هو الحماقة بعينها، حيث لا طب ولا علاج ولا برء لها سوى السام، قال الشاعر بعد أن تفطرت كبده، وقلت حيلته، وأصابه العجز، ويأس من إصلاح أولئك المعتوهين الأغبياء المرضى:
لكل داء دواء يستطب به * * * إلا الحماقة أعيت من يداويها
الكاتب/ علي أحمد السحاري
لصحيفة الرأي الإلكترونية
التعليقات 1
1 pings
سامح
17/10/2024 في 9:49 ص[3] رابط التعليق
جزاك الله خيرًا، مقال معبر عن أزمة كبيرة يعيشها البعض، ويتأثر بهم من حولهم، وأرى أن للأسرة دورًا مهمًا في حل هذه المشكلة، كما أن للمربين في المدارس دورًا، وينبغي على الجميع القيام بأدوارهم للتخفيف من حدة مثل هذه النماذج،