بطبيعة الحال هي نقل لغة إلى لغة أخرى . ومحاولاً بذلك المترجم نقل الأسلوب والكاريزما للنص وكفاءة اللغة الأخرى، وإعادة تخيلّها بما فيها من شروحات ومعاني وأفكار . ولكن في الحقيقة الترجمة التي نحصل عليها دوماً من الكتب الأجنبية لاسيما الأدب هي ترجمة أبعد ما تكون عن الجيد في كل الأحوال ولكن على الأقل هي ليست أكثرسوءً من الكتب العربية ! .
وما من ترجمة بريئة أبداً . تنطوي كل ترجمة على قراءة ، واختيار للموضوع والتأويل ، ورفض أو استبعاد نصوص أخرى ، وإعادة تعريف بمقتضى شروط يفرضها المترجم الذي يغتنم هذه السانحة مستولياً على لقب المؤلف . ولأن الإنصاف في الترجمة غير ممكن ، مثلما يتعذَّر على القراءة ألا تنحاز ، فإن فعل الترجمة يحمل معه مسؤوليةً تمتد إلى ما هو أبعد من حدود الصفحة المترجمة ، وأبعد من النقل من لغة إلى لغة أخرى .
عندما حوّل تشارلز وماري لام مسرحيات شكسبير إلى حكايات نثرية للأطفال ، أو عندما أدرجت فرجينيا وولف بسخاء ترجمات كونستانس غارنيت لتورغيف ( طيَّ الأدب الإنجليزي ) ، فإن النزوح بالنص إلى مدارس الأطفال أو إلى المكتبة البريطانية لم ينظر إليه باعتباره "ترجمات" بالمعنى الإتيمولوجي .
ولذلك كل مترجم على منوال لام أو وولف يلبس النص قناعَ معنىً آخر جذاباً أو منفراً .
ولو كانت الترجمة مجرد فعل يقوم على التبادل المحض لما وفرت سبلاً للتحوير والرقابة ، ولو سلَّمنا بأن كل ترجمة تحول النص - سواء نحو الأسوأ أو الأفضل ، أي ببساطة عبر إحالة النص إلى لغة أخرى ومكان وزمان آخرين ، فلا بدّ لنا من الاعتراف أيضاً بأن كل ترجمة - كتابة ألفاظ النص بحروف لغة أخرى، إعادة السرد ، إعادة ترتيب العبارات - تضيف إلى النص الأصلي قراءة أشبه بالألبسة الجاهزة أو تفسيراً ضمنياً لا يتجاوز حدود نفسه .
وهناك أمثلة حيه عبر التاريخ فلقد جرت الرقابة على الترجمة وفق أيديولوجيات دينية وسياسية وأقنعة أدهى ، وهذه إحدى مشاكل الترجمة في هذا العصر على الأقل فيخضع الكتاب الخطيرين للتطهير والتصفية مثل ( البرازيلي نيليدا بينيون في كوبا ، الساقط اوسكار وايلد في روسيا، المؤرخون الأمريكيون الأصليون في الولايات المتحدة وكندا ، الطفل الخارق الفرنسي ، جورج باتاي في إسبانيا خلال حقبة فرانكو، والكثير من غيرهم الذين نشرت أعمالهم في ترجمات مبتورة وسحيقة . وعلى كل حال ليست كل الترجمات تقبع تحت النظر السياسي أو غشاً وفساداً. من الممكن إنقاذ الثقافات عبر الترجمة أحيانا فتبرّر المترجمين مطاردتهم اللغوية الصاغرة والمضنية والسيئة والركيكة.
ترجمة الكتب
(0)(0)
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://alraynews.net/articles/6373524.htm
التعليقات 1
1 pings
ابو تميم
12/10/2017 في 5:20 م[3] رابط التعليق
اشكرك أ. خالد على المقال الأكثر من رائع والحقيقة انني استمعت بقراءة حروفه. اسمح لي ان ادلي بدلوي وان كان عن طريق الردود.
اسمح لي ان ابدء مداخلتي بمقولة مشهورة وهي ان اول خيانة للنص اي كان نوعه هي ترجمته للغة اخرى. الخيانة هنا اجبارية وغير مقصودة اطللاقا لأن اي نص يحمل في طياته بعد ثقافي وسياسي واجتماعي لثقافة معينة غير موجودة بالنص الهدف (المترجم اليه) فيقفد الكثير من قيمته. لذلك المترجم الحاذق هو من يُوفق بمعرفة الثقافتين (المصدر) و (الهدف) وهذه نادرة الحدوث حاليا.
انا فيما يتعلق بترجمة الأدب فاعتقد بأن الأدب لايُترجم الا بأدب مثله والا لفقد قيته الادبية لذلك نحتاج لمترجم وأديب بنفس الوقت حتى نصل الى نسخة مقاربة وليست طبق الاصل للنص المصدر بما فيه من قيم وافكار ونقل لحضارة واعتبار جمهور معين … الخ. متى ماتوفرت هذه الشروط بالنص الادبي قد يصل يوم من الايام للادب العالمي.
تقبل تحياتي
(0)
(0)