دراسة أي تجربة تعليمية على المستوى العالمي أو تربوية تحقق تحفيزا و إثارة بؤرة الانتباه في المقارنة بين واقعنا وواقعهم لنستشرف مستقبلا مميزا مبدعا فنحاول أن نحتذي بهم تارة بما يواءم موروثنا القيمي و الحضاري و الثقافي و يتناسب معه, أو نجد فيها فكرة يمكن استنباتها أو البناء عليها, و قد تكون شرارة لأفكار جديدة تقدم للميدان التربوي.
فتبادل الثقافات و التطبيقات منهج نبوي نجده في سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في استلهام حفر الخندق من سلمان الفارسي رضي الله عنه و يُقر المشركين بأنها من أفكار الفرس لا يأتي بها العرب.
ويتعنى السفر موسى عليه السلام ليطلب علما جديدا عند الخضر يعجز عليه السلام من الصبر على جهله فيقول الله تعالى عنه ( قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عُـذرا).
وفي هذا الموضوع سوف نستعرض تجربة كوريا في الرياضيات و العلوم
صنفت بيرسون للخدمات التعليمية في تقريرها عن التعليم عام 2012 النظام التعليمي في كوريا الجنوبية في المرتبة الثانية بوصفه أفضل نظام تعليمي في العالم في المهارات المعرفية و التحصيل العلمي بعد فنلندا.
حقق طلبة كوريا الجنوبية في اختبار التيمز (TIMSS 2011) الاختبارات الدولية لتقويم الاتجاهات العالمية في دراسة الرياضيات و العلوم لطلبة الصف الرابع والثاني متوسط من التعليم الأساسي مركز متقدمة جدا, حيث حل طلبة كوريا من الصف الرابع في مادة الرياضيات في المركز الثاني عالميا ب 605 نقاط, وجاء طلبتها من الصف الثامن في مادة الرياضيات في المرتبة الأولى عالميا بمعدل نقاط بلغ 613 نقطة .
وفي مادة العلوم جاء طلبة كوريا الجنوبية من الصف الرابع في المركز الأول عالميا بمعدل بلغ 587 نقطة, و حقق الطلبة الكوريون من الصف الثاني متوسط في مادة العلوم المركز الثالث عالميا بمعدل نقاط بلغ 560 نقطة.( الدخيل, 2014م)
فلسفة بناء المناهج في كوريا:-
ينبع الاهتمام بالتعليم في كوريا من الفلسفة الكونفوشيوسية ومن النصائح البوذية، حيث تنظر الفلسفة الكونفوشيوسية إلى التعليم على أساس أنه المفتاح الوحيد للنجاح في المستقبل والحاضر.
يعتـَمد النظام التعليمي الكوري المركزية في عمله، ومن ثم فإن صناعة المناهج تخضع لإشراف الدولة، وتكون موحَّدة لجميع المدارس سواء الحكومية أو الخاصة في عموم مناطق الدولة.. ومنذ عام 1955م، تغيَّرت المناهج سبع مرَّات. حيث يجرى تعديل إطار المنهج الدراسي الوطني الذي تضعه وزارة التعليم و العلوم والتكنولوجيا (MEST) كل خمس إلى عشر سنوات. (عبد الحافظ,2012م) (الدخيل,2014م)
الرؤية:
تبنت الوزارة رؤية تتمحور في "بناء وطن متقدم من الدرجة الأولى". ومن اجل تحقيق ذلك قامت كوريا بعمل عدد من الإجراءات، منها:
• توسيع الاستثمارات في قطاع التعليم.
• إصلاح نظام التعليم وخاصة النظام الجامعي.
• تحسين البيئة المدرسية وخاصة المرافق المدرسية.
• تأهيل المدرسين بكفاءات عالية الجودة.
• التركيز على العلوم والرياضيات.
• إعادة بناء المناهج الدراسية وتطويرها.
• التركيز على التعليم الجامعي الفني. ( الحسين, 2011م)
الأهداف التي قامت عليها المناهج:
- تزويد الطلاَّب بالخبرات المختلفة التي تـساعدهم على النمو المتوازن للعقل والجسم.
- مساعدة الطلاَّب في تطوير قابليتهم الأساسية للتعرّف على المشكلات، التي تواجههم في الحياة اليومية وحلَّها، وتزويدهم بالخبرات التربوية التي تمكِّنهم من التعبير عن أنفسهم ومشاعرهم وأفكارهم بطرق مختلفة.
- تزويد الطلاَّب بالخبرات التعليمية، التي تـمكِّنهم من فهم عالم العمل.
- تطوير اتجاهات الطلاب لفهم وتقدير ثقافتهم وتراثهم.
- تطوير العادات الأساسية الفردية للحياة اليومية، وغرس حب الجيران والوطن. (عبد الحافظ,2012م)
الطلبة في كوريا:
الطلب على التعليم في كوريا الجنوبية أكثر مما هو عليه في البلاد الأخرى والضغط على الطلبة من أجل الأداء الجيد أكبر , وقد أظهر مسح جرى إجراؤه أن ثلاثة أرباع طلبة المدارس المتوسطة و الثانوية يفكرون في الهروب من البيت أو الانتحار بسبب الضغوط التي عليهم لتحقيق مستويات أداء عالية في المدرسة. ( الدخيل, 2014م)(جاب الله,2014م)
مميزات تدريس منهج الرياضات و العلوم في كوريا الجنوبية:
لأن كوريا الجنوبية متميزة جدا ولديها مستوى عال في تدريس الرياضيات فمن المهم بل من الواجب على معلم الرياضيات لدينا أن يعرف كيف يفعلون ذلك. وكمقارنة بسيطة بين الطلاب الكوريين وغيرهم من الطلاب نجد أنهم
• يستخدمون أسلوب الكلمات الرئيسية (المفتاحية) عند محاولة حل المشكلات.
• يعتبرون أن كتب الرياضيات والعلوم المدرسية بمثابة مصدر قيم للحصول على تعليمات وتوجيهات ونصائح تفيد عند استخدامها في حل المشكلات.
• يستخدمون الحاسبات الآلية واليدوية بشكل أقل.
• يحضرون عدد ساعات تعليمية أكثر من طلاب دول أخرى مثل أمريكا.
• ينجزون الكثير من المهام بشكل فردي مستقل وبدون توجيهات أو تعليمات تلزمهم بالعمل في مجموعات حتى ولو صغيرة.
• يزيد عدد أيام الدراسة الفعلية لديهم عن غيرهم من عدد من دول العالم، فعلى سبيل المثال يزيد بـ44 يوما عن الولايات المتحدة الأمريكية.
• ينالون عدد قليل من حصص ودروس المراجعات.
• يعملون أولا على تطوير مهارات حل المشكلات قبل العمل على المهارات الرياضية.
• يتمركزون بشكل كبير حول حل المشكلة، بمعنى سعيهم لاستكشاف حلول متعددة لنفس المشكلة أكثر من حرصهم على حل كم من المشكلات بحلول منفردة.
• لا يحتاج الطالب الكوري لإتقان عدد كبير من المهارات للمرور للمستوى الدراسي التالي كما هو الحال في دول كثيرة.(جاب الله،2014م)(التوم,2014م)
المعلمون في كوريا الجنوبية:
تتصدر جودة المعلمين قائمة أسباب نجاح كوريا الجنوبية فأفضل 5٪ من الخرجين يدرسون طلاب الابتدائية, كما أن وزارة التعليم فيها هي المسؤولة عن تعيين معلمي المدارس. وتعد مهنة التدريس أكثر الخيارات المهنية شعبية, بسبب المكانة الاجتماعية العالية للمعلمين و الاستقرار المهني و الاجر العالي. كما أن 5% فقط من المتقدمين يجري قبولهم في برامج تدريب معلمي المرحلة الابتدائية. ومعدل انسحاب المعلم قليل جدا, لا يزيد بكثير عن 1%.(الدخيل,2014م)
عملية التقويم:-
فيما يخص تقويم الطلبة تتمتع كوريا الجنوبية بنظام لعمليات التقويم التشخيصية يُسمى التقويم الوطني للأداء التربوي. وكل عام تُجرى اختبارات أداء في اثنتين من المواد الدراسية لجميع الطلبة في كل من الصف السادس و التاسع و العاشر, للمعلوماتية فقط.
ويقوم المعلمون في جميع المستويات طلابهم على نحو منتظم, ويحصل الطلبة على السجلات التي تقدم معلومات مفصلة عن أدائهم الأكاديمي.
وتهتم كوريا الجنوبية بالاختبارات الدولية لتقييم مناهجها و قياس أداء الطلاب مقارنة ببقية الدول. (الدخيل,2014م)
كيف نستفيد من تجربة كوريا الجنوبية؟
يذكر الحسين (2011م) وكذلك جاب الله (2014م) وشاركهم التوم (2014م) بشكل مختصر :-
• يجب أن يكون المعلم على استعداد دائم للتعلم، فالمعلمون الكوريون دائما ما يحضرون الدورات والبرامج التدريبية لتعلم طرق وأساليب وتقنيات جديدة.
• يجب على المعلم أن يشرك أولياء الأمور دائما في تفاصيل تعليم أبنائهم.
• يجب أن يفعل المعلم التكنولوجيا بكفاءة، فجميع الفصول الدراسية بكوريا الجنوبية مكتظة بأجهزة الكمبيوتر والإنترنت والأجهزة اللوحية والسبورات الذكية وكل ما يساعد المعلم في عملية التدريس.
• يجب أن يكون المعلم ملهما لطلابه، فالمعلمون الكوريون يحفزون طلابهم كثيرا ويرفعون سقف التوقعات معهم لأعلى ما يمكنهم تحقيقه.
• إنشاء تعليم مواز بعد الابتدائية هدفه التركيز على المناهج المهمة كالرياضيات و العلوم.
• تحويل الرياضيات إلى مشاريع محسوسة. والتخلص من التجريد.
المراجع
⋅ التوم, محمد الأمين أحمد.(2014م). أهمية الرياضيات للتنمية. متاح على الرابط:
⋅ جاب الله, محمد .(2014م). كيف تدرس الرياضيات في كوريا.. متاح على الرابط: http://goo.gl/vxNY5j
⋅ الحسين, سعد.(2011م). التجربة الكورية: من العالم النامي إلى العالم الأول. جريدة الرياض, العدد 15541. 11يناير.
⋅ الدخيل , عزام (2014م ). اليابان بلاد الجدارة .. والتعليم الرصين . الموقع الرسمي لعزام الدخيل . متاح على الرابط : http://goo.gl/NCJnMK
⋅ الدخيل, عزام بن محمد.(2014م)."تعلومهم" نظرة في تعليم الدول العشر الأوائل في مجال التعليم عبر تعليمهم الأساسي. الدار العربية للعلوم ناشرون :لبنان.
⋅ عبد الحافظ, حسيني.(2012م). المناهج الدراسية...رؤى وتجارب عالمية. مجلة المعرفة, ملف العدد, تاريخ 25-2-2012م. متاح على الرابط: www.almarefh.net
التعليقات 4
4 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓
عبدالمحسن المرشد
11/10/2016 في 11:26 م[3] رابط التعليق
مقال رائع وجميل
شكراً للكاتبة
(0)
(0)
نوره السماري
12/10/2016 في 9:34 م[3] رابط التعليق
المقال أكثر من رائع يدل على رؤية بعيدة المدى واطلاع على تجربة راااائدة
(0)
(0)
عبدالله بن غانم العابسي
12/10/2016 في 11:29 م[3] رابط التعليق
المعلمون في كوريا الجنوبية:
(تتصدر جودة المعلمين قائمة أسباب نجاح كوريا الجنوبية فأفضل 5٪ من الخرجين يدرسون طلاب الابتدائية, كما أن وزارة التعليم فيها هي المسؤولة عن تعيين معلمي المدارس. وتعد مهنة التدريس أكثر الخيارات المهنية شعبية, بسبب المكانة الاجتماعية العالية للمعلمين و الاستقرار المهني و الاجر العالي. كما أن 5% فقط من المتقدمين يجري قبولهم في برامج تدريب معلمي المرحلة الابتدائية. ومعدل انسحاب المعلم قليل جدا, لا يزيد بكثير عن 1%. )
هذه الدقة اعلاه التي نقلتها عن هذه الدراسة المهمة تبين الفارق الكبير الذي تعيشه المنطقة العربية مقارنة بكوريا ، اضافة الى ذلك يتبين لنا دقة المعايير واهمية المعلم وعدا ايضا بالمقارنة مع مالدينا يتضح الفارق الهائل وعليه نستطيع معرفة حجم المشكلة التي غيرناها بايدينا بين معلم الامس واليوم والفارق لايحتاج الى تشخيص اكثر مما نشاهده حيث لاقيمة للمعلم امام تلاميذه والمعلم نفسه ليس بأفضل حال من محتمعه.
(0)
(1)
هياء الصبيح
13/10/2016 في 4:48 م[3] رابط التعليق
فعلا ان استعراض تجارب الدول الرائدة في مجال ما يوقد شرارة وحماسا لمحاكاتها
بارك الله فيك ونفع بك وبعلمك
(0)
(0)