هناك رجال ذوي شخصيات مؤثرة، يمتلكون سمات مختلفة الى درجة ان من حولهم قد لا يستطيعون فهم ماذا يعني صمتهم قياساً بالآخرين. ومن خلال حديث السَّحر سأذكر شخصيات قليلة ممن تكونت لدي معرفة عنهم، وهذا للإيضاح حتى لا يُفهم أنها انتقائية، فهذا ليس في الوارد على الإطلاق، وأجزم أن هناك رجال مؤثرين وقياديين في طريب وحوله، لكن ربما رحلوا ولم أعرفهم أو لم أنجح في تكوين صورة كافية حولهم.
ومن هؤلاء القياديين بطريب العم الكريم علي بن سلطان آل منحي. ولن أجد صعوبة في الحديث عنه فقد كان أحد من علمونا مبادئ الصدق والقوة ومكارم الأخلاق والوفاء ونحن صغار ولا يزال . هذا الرجل من الجيل الذين تعلموا القراءة والكتابة بناء على نباهتهم ونبوغ عقولهم رغم أن لا يوجد مدارس نظامية. كما انه متعه الله بالصحة من أقدم من قادوا السيارات بطريب، واعتقد انه كان من ضمن الذين حازوا لفترة على تقدير إجتماعي خاص بناءً على ذلك، فيحظون بمكان مميز بالمجلس، وخلال الولائم يوضع لهم طعام مستقل.
ما أود ايضاحه للشباب عن الشخصية القيادية المحلية العم (علي بن سلطان) أن هذا الحكيم يمتلك روحاً وطنية عالية فلا نكاد نجلس حوله ونستمع لأحاديثه إلا ويأتي ضمن كلامه ما يعزز الولاء الوطني ويبين فضل الدين والدولة على بسط الأمن ومنع الفرقة. علي بن سلطان، هو اسمه الذي تعودنا عليه، وبمجرد ذكر الإسم تتشكل أمام اعيننا صورة متكاملة لشخصية رجل قيادي بفطرته، حكيم وقليل الكلام، فإن تحدث استمع له الجميع وتناقلوا كلامه، وخلاف ذلك تعودنا عليه صامتاً حتى وإن بقي جالساً لساعات. وفي الزمن الجميل بليالي رمضان كانت المجالس الرمضانية بالقرية مليئة بالحكايات والتعليقات التي يتبادلها هذا الرجل مع جيرانه بأسلوب راقي لم نعد نشاهدها الآن. هو بحق السهل الممتنع، ومنذ عشرات السنين حين يتحدث في شأن له اهميته تجده مقنعاً وكلامه متوازن، فيشعرك انك أمام رجل كبير، وحتى لغة الجسد وهو يتحدث بحسب اهمية الموضوع كأنه تعلمها، وخاصة درجة الصوت وحركة اليد اليمنى.
هذا الحكيم متوازن بكل شيء حتى مع من يختلف معهم. ولم نسمعه يوماً يشتم أو ينتقص من أي احد، ولم اشاهده في حالة غضب افقدته الحكمة ولو لمرة واحدة، وحين يختلف مع الغير لا يهاجم ولا يتطاول وإنما يقول كلمات قليلة ضمنها (يا لِله العجب، الله المستعان) ثم يصمت. وللمربين، فإن أبو حسين لم يُجبر حتى ابناءه تجاه فعل أي سلوك، ولم نراه يوماً يوصينا بغير الصلاة ولا أكثر. ولم ينتقدنا ابداً على أي خطاء ارتكبناه غير اللعب وقت الصلاة، وحتى توجيهاته مجرد نداء دون استخدام لكلمات التعنيف. وله اطال الله بعمره اقوال طريفة يتداولها بعض أبناء القرية، ففي فجر يوم بارد وقبل إقامة الصلاة وبجانبه الوالد وكان الأبناء مستندين للجدار الخلفي وبعضهم نائم، فتساءل ابو حسين قائلاً : ما قد سمعت "أزين" من ترتيل العيال اليوم ياغانم، انت تسمعه؟، قال له الوالد لو سمعتهم أمس ياعلي بكيت.!.
ومرة أخرى اقول للشباب أن هذا الرجل يؤثر بالقدوة وليس بالأوامر، وكل افعاله تربية، وهو الوحيد بالقرية وربما بطريب الأكثر صمتاً ومع ذلك الصمت كأنه يتكلم. ومرة أخرى "لا يغضب". ولا ينتصر أو يقف مع التصرفات والأفعال التي تخالف أنظمة وقوانين الدولة. بل أنه يتساءل دائماً وكأنه يحذر الناس من مخالفة اوامر الشرع وقوانين الدولة فيقول بطريقته: عسى الله يتجاوز عنَّا، ما ندري هل هذا يرضي الله أم لا.
لم اراه مع جيرانه في موقف مؤثر إلا مرة واحدة بعد عودة رفيق دربه (الوالد ) من سفر لعدة اشهر، ونحن بصباح يوم عيد الفطر السعيد في منزله، وضع يداه على كتفي أخوه قائلا: شف يابو عبدالله صار لي انا وإياك أكثر من ستين عام ونحن مع بعضنا وفي كل الظروف وفي هذا المكان، وبفضل الله لم نقف مختلفين بباب محكمة ولا بمكتب شرطة ولا غيرها، وهذا فضل من ربي علينا. وعمَّ الصمت للحظات. عبرة.
التعليقات 13
13 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓
عبدالرحمن ابن عايض ابن كدم
24/05/2018 في 4:07 م[3] رابط التعليق
ابدعت واكملت واوجزت عن بعض من صفات هذا الشيخ الجليل ونعم الرجل ونعم الخلق ونعم المربي ونعم الرفيق
مسفر قضعان العايذي
24/05/2018 في 4:17 م[3] رابط التعليق
أحسنت الإختيار أخي ابو منصور فوالله إنه يعتبر حكيم طريب . ابو حسين عمله نادره الله يعطيه طوله العمر والصحه والعافيه ولنا معه ذكريات جميله ايام الدراسه بالإبتدائيه حيث كان يعمل قائدا لعربه النقل المدرسي وكان يتحمل شقاوتنا بكل صبر فجزاه الله خير فهو مدرسه في الأخلاق والرجوله والشهامه والصدق والوفاء @
حسين ال زاهب
24/05/2018 في 5:46 م[3] رابط التعليق
ربنا يعطيه الصحه و العافيه
ونشكرك و الوافين امثالك
علي فهد ابن صنيج
24/05/2018 في 6:23 م[3] رابط التعليق
بيض الله وجهك يابو غانم وافي وكتبت عن شخصيه عظيمه ونعم بأبو حسين
ابراهيم ابودبيل
24/05/2018 في 7:52 م[3] رابط التعليق
والف نعم الجار ابن منحي احسنت يابومنصور ونتطلع للمزيد
احمد
22/12/2020 في 9:41 م[3] رابط التعليق
انعم واكرم
شخصيه أندره ابو سلطان
كريم
سديد
غالي
أبو الجميع
عائض فهد آل كدم
24/05/2018 في 11:13 م[3] رابط التعليق
اولاً. الشكر الجزيل لكم على مشاعركم وأطراكم نحو جاركم ورفيقكم الوالد علي بن سلطان بن منحي وهذا يدل على اخلاقكم الرفيعة ونبلكم العظيم.
ثانياً. الوالد علي بن سلطان يستأهل كل علماً طيب وكل تقدير واحترام فهو من الطراز الاول وله مواقف مشرفه في طريب لا تنسى فهو يتصف بالحكمة والنُبل والشجاعة وبُعد النظر.
ثالثاً. هذا المقال المُشرف يعيدنا الى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال ((ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا)) رواه الترمذي
عبدالله بن عبود
25/05/2018 في 1:47 ص[3] رابط التعليق
يستاهل الثناء ابو حسين وله منا كل تقدير واحترام وشهود الله في ارضه فمن احببه خلقه احبه الله عز وجل …. عرفناه بالطيب ونبل الأخلاق والتقوى ومخافه الله عز وجل فنسأل الله ان يمد في عمره على طاعته ورضاه
سعيد شايع بن عوضه ال عادي
25/05/2018 في 2:07 ص[3] رابط التعليق
ونعم يابو حسين ورجل يستحق التقدير والاحترام وشخصيه مميزه في المجتمع والله يعطيه الصحه والعافيه
ابو فارس
25/05/2018 في 12:08 م[3] رابط التعليق
احسنت الاختيار ،إنه شخصيه تستحق الاحترام والتقدير ،انه نعم الرجل ونعم الجار ،نسأل الله ان يمده بطول العمر والصحه والعافيه ويحفظه وجعله ذخرا لنا ..
سفر بن سيف آل عادي
25/05/2018 في 7:21 م[3] رابط التعليق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وسبعة انعام الله يطول بقاك يابو حسين
عز وفخر وطيب وكرم وصاحب راي سديد
مساعد الطويل
26/05/2018 في 1:29 م[3] رابط التعليق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نشكرك ي ابو منصور على هذه الاطلاله على العم ابو حسين والله يطول بعمره على طاعته ونعم الرجل ووفيت وكفيت وبيض الله وجهك وجهه
جبران فايز
29/05/2018 في 1:34 ص[3] رابط التعليق
انعم واكرم
شخصية فريدة ، وان كنت لم اقابله الا مرات قليلة لكنه كبير في احترامه وسمته
اطال الله عمره على طاعته
شكرا ابا منصور
اختيار موفق ونافذه جميلة