منذ عام ١٤٢٠هـ على الرغم من صغر سني في ذاك الحين، كنت أرى الأحداث الحاصلة في المنطقة بشكل مختلف عمن هم في سني، وكنت أرى وجه أبي حفظه الله كيف كانت ملامحه تتغير وتتبدل، وكان يكرر مرارًا وتكرارًا بعض الكلمات التي تشير إلى أن هناك "ملامح عقوق ورائحة غدر وخيانة " تمجها القلوب العربية المسلمة التي تملك من عزة النفس ما يجعلها تستنكر هذه الأفعال ..
لم أملك بعد أدوات لبلورة رؤية لقراءة الأبعاد السياسية لمجريات الأحداث حول وطني، لكن كان قلبي يؤلمني عندما أرى سوء يعصف بهذه البلاد، ليس لأني أحبها حبًا يوازي حب والدي بل لأن المحسن لا يجزأ إلا بالإحسان ، لكن ما كان يجري هوعكس ذاك تمامًا ...
ذاكرة الطفولة قوية في تحليل الأمور بمجال عاطفي، وقلوب الأطفال أكثر انتماء وأكثر صدقًا في المحبة لا يمكن أن يخالط حبها أي غدر وخيانة ؛لأنها قلوب تشبه قلوب الطيور .
كان والدي ذا تأثير واضح وقوي عليّ في تحليل الأمور، وقراءة الأمور قراءة تعتمد على العقل والمنطق, ولا تخلو من العاطفة ، شكلت لي خلفية قوية ارتكز عليها أثناء حكمي على بعض الأمور, وأكسبتني قراءة مغايرة لما يظهر لي ,ومنحتني دروسًا في رفض تلك الصور التي كانت متداولة ترسم صورة سيئة عن الوطن والمواطن , وكيف كان يتناقلها الجهلة , ويرسخها من هم في خندق الخيانة .
ومن بعد هذا التاريخ تسارعت الأمور بشكل يشبه مغيب الشمس ، تتدافع خيوطها نحو المغرب ، وريح تعصف بالمنطقة ، صاحبها العديد من الحروب النفسية والاجتماعية وتقسيمات داخلية وكانت تلك العاصفة قائمة أولًا على الجهل، والتثبيط ونزع الثقة، وإخراج الأخطاء بصورة فادحة وتعظيمها بشكل غير مستساغ ، وكأن العدسة في هذا العالم أصبحت فقط مسلطة على هذا الوطن ، وكأن هذا العالم خالي إلا من السعودية ، وأصبحت شغلهم الشاغل ..
ومن هنا بدأت قصة الوفاء ، قصة جيل يقتفي أثر أسلافه في الوفاء والتمساك ليصبحوا سدًا منيع في وجه تلك المؤامرات وتلك الأحداث ، التي ما نزلت بدولة إلا أردت شعبها قتيلًا وجريحًا على يد أبنائه ..
بفضل الله بقيت هذه البلاد قوية ثم بفضل قيادتها الرشيدة وشعبها الوفي ، انكشفت الأمور وتساقطت الأماني بسقوطه .
كان اليوم الوطني في كل عام يروي ويجسد لنا أروع صورة في الصمود وكيفية الاعتزاز والفخر والقوة .
ثم ماذا ؟!
انتقلت السعودية لعهد جديد ، عهد الإبداع والقوة ونبذ التعصب والعنصرية ، جاءت بشكل مختلف ، مُنح المواطن المزيد منالثقة ,وفتحت الأفاق أمامه فأبدع المواطن تزامنًا مع الخطوات التي اتخذتها القيادة العظيمة ، وضخت روح الشباب من جديد في شريان هذا الوطن ، و استندت في ذلك النهوض علىشباب واعي طموح ، قادر على التقدم إلى صفوف الدول المتقدمة ، كالمحارب الذي عاد إلى القيادة بعد فوز في معاركه السابقة .
ولا نقول إلا ما قال : صاحب السمو الأمير الملكي خالد الفيصل -دائم السيف - (أرفع رأسك أنت سعودي)، وحُق لك أن ترفع رأسك شكرًا لله أولًا ثم لانكشاف الأمور ، وثباتك ، وعلى قيادة دفعتك بقوة نحو التطور وبشكل مُسرع على رغم من الضغوط التي تحيط بها ...
ارفع رأسك وانقل صورة مشرفة لهذا الوطن .. وحافظ عليه كما تحافظ على روحك ، فهو أمانة نتناقله جيلاً بعد جيل.