لا أشك في أن الكعبة ستدمر في آخر الزمان ، وستفكك حجراً حجراً على يد حبشي مشوه كسيح ، ولكن هذا سيكون في زمن لا يذكر فيه اسم الله ، فعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنْ الْحَبَشَةِ . رواه البخاري (1591 ، 1596) ، ومسلم (2909) ، حينها لن تكون لبيت الله المعظم حرمة في نفوس البشر ، وذلك في زمن لن ندركه و لن نعاصره ، والله العليم الخبير ، إلا أن استهداف بيت الله الحرام بالقصف الصاروخي الباليستي على يد الحوثيين المستأجرين من قبل مجوس الفرس ، يعد مقدمة كشف للفئات البشرية التي ستسعى في خراب مكة بالتهيئة النفسية و التحضير التدريجي وفق سنة الله تعالى وتقديره ، و هذا أمر يتعلق بعتبة الإثارة الحسية المشاعرية تجاه اعتقاد راسخ في نفوس المسلمين ، إلا أن الغثائية لن تحول دون تحرك المسلمين و لن تسمح لأعداء الإسلام بالمساس بالكعبة المشرفة .
يعد بيت الله الحرام رمزاً ذا قيمة عليا لدى كافة طوائف المسلمين و ألوانهم و أعراقهم في الأرض ، و الاعتداء على بيت الله الحرام سيحرك مشاعر المسلمين في كافة القارات ، ومع ذلك فإن للبيت الحرام ربٌ يحميه ، فآيات الله المعجزة باقية حتى قيام الساعة ، وليست قاصرة على سياق النبوات والرسالات ، فلا يزال الزمان يخفي المزيد من العجائب ، و الله القاهر فوق عباده .
وإن من إعجاز الجبار وحكيم سطوته وقوته ، نزول العقاب بما لا يُتَوقع و لا يُدرك ، وهذا من أعظم العقوبات التي تزيد من غي الغاوي و تركسه ، حتى يستحكم الطوق حول عنقه ، وواقع الحال أنه لا خوف على بيت الله الحرام في الوقت الحاضر ، فالإسلام متجذر في نفوس الفرسان الأشاوس من حماة بيت الله العتيق وخدمه ، وهم قادرين بفضل الله تعالى على صد أي هجوم وثني أو شركي أو تخريبي ، ولهم سند من مليار ونصف الميار مسلم يتوجهون خمس مرات بوجوههم نحو مكة ، و لن يسمحوا بالعبث بكعبتهم ما بقيت فيهم بقية إيمان وتوحيد لله تعالى ، وهذا لن يخدم أعداء الإسلام بكافة صورهم.
هناك فوارق اعتقادية ما بين المسلم الموحد و غيره من عبدة الشياطين و الملاحدة و بقية الكفرة و المشركين ، أهمها أن المؤمن يعشق الموت في سبيل الله كما يعشق بقية أولئك الحياة ، وهذا فارق كافٍ لإحداث الفرق ، ولذلك لا حاجة للقلق من تحرشات هنا أو هناك ، فخدّام الحرمين يزدادون قوة اليوم بفضل الله تعالى ، لأسباب يطول شرحها .
إلا أن فئات الناس في حدث جلل كهذا ، يتمايزون إلى تصنيفات فارزة تحددهم و أدوارهم فيه :
1- فئة مسرورة وداعمة لهذا الحدث ، فهي صامتة عن هذه الجريمة من باب الدعم السلبي ، أي تخفيف الضجيج حيال الأمر ، وهذا لإضعاف وطأة التأثير ، وهم شركاء بالتجاهل و التجهيل وخاصة من قبل الإعلامين أو المثقفين أو الساسة ، ومنهم يتفرع الطابور الخامس و الخلايا النائمة ، وسيكفيكهم الله و الله بكل شيء عليم .
2- فئة خاضعة لموازين تقييم عقلية لا منطقية ومشوهة ، تسعى للتقارب غير المبرر مع العدو الظاهر تحت اسم الحداثة و الحرية و الديمقراطية و الفردية ، فهي فئة صامتة وفق مبادئ ومعايير متعارف عليها بينهم لتحييد شريعة الله في أرضه و اتخاذ أعراف إنسانية موضوعة من قبل البشر ذاتهم خدمة للشيطان ، وهم فئة قابلة لبيع ذممها لمن يدفع أكثر ، مع دورانهم حول مواضيع كالمواطنة و الانتماء وسرعة تخوين الآخر وهم أهل تلون و تشكل ونفاق ، و أولئك هم الذي يبارك لهم إبليس هذه المبادئ و القيم العليا في نفوسهم ، وكان كيد الشيطان ضعيفاً .
3- فئة خائفة من إبداء الرأي فضلاً عن الفعل في صد ما يجدر بهم صده ، حماية لأعظم مقدساتهم على الأرض ولا عن أعراضهم ، وهؤلاء ليسوا ضمن حماة الحرمين ، وسيكونون ضحية للفئة الأولى لو تمكنت في الأرض ، و الله الواحد القهار .
4- فئة تمارس دورها التنويري ، وتضع النقاط على الحروف و تُنزل الوصف على الموصوف ، وهم علماء و مفكروا ومثقفوا الإسلام من العارفين ، وهم قادة البشرية ، وهم بالضد من الفئة الأولى التي تكن لهم حقداً ظاهراً ودفيناً ، وهم هدف للاستنقاص و التشويه وتحريف ما يصدر عنهم ، ولكن حجتهم دامغة و بيانهم غالب مع فلة المعين و النصير البشري، وفوق كل ذي علم عليم .
5- فئة غائبة لا تمتلك أدوات التمييز العقلي المعرفي ، وهي السواد الأعظم من المسلمين ، إلا أن عاطفتهم تجاه مقدساتهم طاغية ظاهرة ، وهم على استعداد لبذل أرواحهم على أبواب مكة والمدينة دون تردد ، يفزعون من بطون القارات حماية للدين الخاتم و مقدساته الطاهرة .
6- فئة لا تحسن الكلام ولا التعبير ، ولكنها ستكون في مقدمة الصفوف دون داعٍ أو منادي ، وهي من تمارس الردع المباشر باستبسال منقطع النظير عندما يكون هذا هو الخيار الوحيد ، وهم جند الله في أرضه ، والله العزيز الجبار .
وبغض النظر عن قدرات حماة الحرمين و خدامّه القتالية المتقدمة ، وخبرتهم الحربية ، واستعداهم الملحوظ وعلو كعبهم ، واستعصاء أرضهم ورجالهم على الترويض ، فجزيرة العرب تبتلع الغزاة وتدفنهم أحياء في رمالها الملتهبة ، و يكفي فرسانها اللبن و التمر فهم لا يخشون وطئ الرمضاء حفاة .. فدماؤهم تغلي في الظل وتاريخهم يشهد لهم بالبسالة و الشجاعة والدهاء ، فكيف وهم تحت راية التوحيد ، وفي يدهم سيف الله المسلول على أعدائه ، فالله تعالى ناصر عباده الموحدين ، وهو العظيم المتعالِ القائل ( ﴿ أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ*أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ*وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ*تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ*فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ) .
إن استهداف بيت الله العتيق ، سيجعل من جيوش الغزاة عصفاً مأكولاً ، فلو استنصر ولي الأمر فسيجيبه أهل الإسلام لحرب لا تبقي ولا تذر ، ولا قوة إلا بالله .
د. فيصل خالد الغريب
المستشار وخبير الإتصال البشري